حزب الله.. ادعاء المقاومة وثبوت الإرهاب

TT

خلال شهر واحد، وضع اثنان من أهم الكيانات السياسية والاقتصادية في العالم؛ مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، حزب الله اللبناني في القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية.

لم تأت هذه الخطوة تلبية لمطالب إسرائيلية وأميركية كما يدعي السوريون والإيرانيون حلفاء حزب الله. الحقيقة، أن هذه المرة لا يستطيعون الزج بالأم وابنتها، فلا إسرائيل ولا أميركا لعبتا الدور الرئيس في خروج هذين القرارين من الخليج وأوروبا، وإلا لكان حصل ذلك في عام 2006 حينما بادر حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية، آذنا بحرب إسرائيلية شرسة على لبنان استمرت شهرا وراح ضحيتها 1000 لبناني وشردت مئات الألوف.

هذه الحرب وإن لم تكن مقبولة، بداية، للخليجيين والأوروبيين، إلا أنها لم تمس بشكل مباشر مصالحهما، وبالتالي لم تستدع وصم حزب الله بعار الإرهاب حينذاك.

مجلس التعاون الخليجي تأسس على مبدأ الأمن الجماعي لكل دول الخليج، حتى تلك التي قد تكون بعيدة عن مرمى الحزب، ترى في حزب الله خطرا وشيكا على مصالحها، هذا ما حمل المجلس على إدراج حزب الله كمنظمة إرهابية بعد تورطها في بعض دول الخليج بما يهدد أمن هذه الدول واستقرارها بالتحريض والتسليح والتخابر.

وهو كذلك ما دفع الاتحاد الأوروبي لإدراج الجناح العسكري لحزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية بعد ثبوت تورطه في تفجير حافلة في بلغاريا العام الماضي قتل فيها خمسة إسرائيليين.

المنظمات الإقليمية ذات المصالح كالخليج والاتحاد الأوروبي لم تقع تحت طائلة الضغط الأميركي كما يحاول حلفاء حزب الله تصوير القضية، لأن الحزب أشاع ظلمه وطالت يده ما هو أبعد من لبنان وإسرائيل، كما أن تدخله الفظيع في الثورة السورية لحماية النظام من السقوط جعله في الجهة المقابلة للدول الحليفة للثوار، أي في مكان العدو.

يظن العرب والمسلمون أن كل من يجاهر بعدائه لإسرائيل أو يحاول التحرش بها يستحق التقدير لأنه يحارب محتلا غاشما، وهذا مبدأ ساذج يدلل على سطحية التحليل والاستنتاج. هذه الدعاية الساذجة التي تغرق فيها المنطقة العربية جعلت حزب الله اللبناني يحظى بشعبية كبيرة في الشارع العربي منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000. وتعززت هذه المكانة بعد حرب 2006 على لبنان. أذكر جيدا أن نقد حزب الله وقتها كان وصمة تجعل الكل ينظر إليك بتهمة الانحياز للإسرائيليين.

أما وقد خرج الأمين العام لحزب الله قبل أشهر معلنا تأييده لنظام بشار الأسد ودخوله بثقله العسكري لمواجهة الثوار، فقد أيقظ العرب من حلم نسجوه لأنفسهم إلى واقع أن الحزب ليس له مبدأ أخلاقي ولا ضمير، وأنه نفذ مجازر بشعة في حلب وحمص وأريافها.

باتت القضية الفلسطينية والجهاد لتحرير القدس من الإسرائيليين مطية للوصول إلى أهداف بعيدة عن ظاهر الدعوة، وكلمة مفتاحية للشهرة والشعبوية وكسب الشارع، والأمثلة على ذلك كثيرة.

فحينما أرسل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الجيش المصري إلى اليمن في بداية ستينات القرن الماضي خلال عنفوان مجده، برر وقتئذ وجود قواته في جنوب الجزيرة العربية بأنها مطلب لاستقرار نظام الحكم في اليمن كخطوة لتحرير فلسطين، رغم أنه من الناحية الجغرافية اليمن ليست الاتجاه الصحيح لدخول الأراضي المحتلة. ثم اتضح لاحقا أن دخوله اليمن كان امتدادا لمحاولاته إحكام قبضته الآيديولوجية والسيطرة على البحر الأحمر حتى قناة السويس بعد تفتت الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسوريا.

بعد ثلاثين عاما لحقه صدام حسين واحتل الكويت، معللا هذه الخطوة الجريئة أمام العالمين العربي والإسلامي بأنها بداية تحرير القدس، رغم أن الطريق الذي سلكه جيش صدام حسين كان عكس اتجاه الشام المؤدي لفلسطين.

وعاش الخليجيون وقتها أياما صعبة لامتصاص صدمتهم في جارهم الذي كان ظهرهم العربي الصلب شاهدين على صواريخ عراقية أطلقت على المدن السعودية وحرق لآبار النفط الكويتية.

ولأن خدعة تحرير القدس تنطلي ببساطة على الشارع العربي رغم تكرارها، لم يتردد الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد في احتفاليته السنوية بيوم القدس أن يستخدمها لشرح سياسته التوسعية، مهددا إسرائيل، عبر مكبرات الصوت، بمحوها من الخريطة، مع التأكيد أن التهيئة العسكرية الإيرانية المتقدمة هي في سبيل تحرير فلسطين، لا لأسباب أخرى كدعم الحوثيين في اليمن، أو إشعال الفتن في البحرين، أو السيطرة على العراق، أو محاولة إحباط الثورة في سوريا.

ومؤخرا هتفت جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة من الأراضي السورية أن وجودها في أرض الشام، هو جهاد لإسقاط نظام بشار الأسد تمهيدا لدخول فلسطين! رغم أن جبهة الجولان؛ مفتوحة دوما ولا تحتاج «النصرة» إلى إسقاط النظام لتزحف باتجاه الأراضي الفلسطينية.

حزب الله منظمة إرهابية، معلقا في سوريا بخيط عنكبوت، ومهددا تهديد وجود. صحيح أن ختم الإرهاب على الحزب سيضيق على مصالحه التي من الممكن تعويضها من حلفائه الإيرانيين والروس، ولكن ما لا يمكن تعويضه هو سمعته التي قضي عليها في العالم العربي. أما لبنان الذي ينتمي إليه الحزب من الناحية الشكلية، فهذا الأمر سيزيد الوضع فيه تعقيدا، لأنه من المثير حقا تصور أن نصف وزراء حكومة الدولة اللبنانية، العضو في الأمم المتحدة، منتمين أو حلفاء لمنظمة بهذا الشكل..!

[email protected]