المساومات على رأس الأسد سبب تأجيل الحسم في سوريا

TT

حتى بعد التخلي عن موقفها السابق والإعلان عن دعمها للجيش الحر والمعارضة السورية بالأسلحة المطلوبة فإن الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال لم تحسم أمرها تجاه الأوضاع في سوريا وأنها لا تزال مترددة، سياسيا وعسكريا، وهذا يجعل حتى أصدقاءها يتساءلون عما تريده إدارة الرئيس باراك أوباما وما الذي ينتظره الأميركيون حتى يتخذوا هذا الموقف غير المفهوم وغير المبرر الذي لو أن واشنطن لم تبق لائذة به لما طالت هذه الأزمة، التي أصبحت أزمة إقليمية ودولية لأكثر من عامين، ولما صمد بشار الأسد ونظامه حتى الآن، ولما كانت هناك لا «نصرة» ولا «قاعدة»، ولما استجدت كل هذه التعقيدات التي نراها الآن، ولما وصل الذبح والدمار والخراب إلى هذا الحد المرعب الذي وصل إليه.

جاء قرار تسليح الجيش الحر والمعارضة السورية، بعد طول تردد وبعد الاستمرار بالتلطي وراء مبررات لا هي مقنعة ولا هي مقبولة، من بينها الخوف والحرص من وصول الأسلحة «النوعية» الأميركية إلى التنظيمات المتطرفة والإرهابية على غرار ما جرى في أفغانستان، مفاجئا ومثيرا للكثير من التساؤلات التي لا تزال تطرح حتى الآن مع أنه كان واضحا ولا يزال واضحا أن دافع هذه الخطوة «الدراماتيكية» التي أقدمت عليها إدارة الرئيس باراك أوباما، بعد طول تردد و«ممانعة»!!، هو الضغط على روسيا في إطار مبارزة تبادل عض أطراف الأصابع وحملها على الالتقاء مع وجهة النظر الأميركية عند نقطة معقولة ليصبح بالإمكان عقد مؤتمر «جنيف2» في أقرب وقت ممكن والاتفاق على حل يضع حدا لهذه الأزمة التي غدت مستفحلة وغدت تهدد الشرق الأوسط كله وفقا لما كان هدد به بشار الأسد مرارا وتكرارا منذ بدايات انفجار هذا الصراع المرعب الذي اتخذ طابع هذه الحرب التدميرية.

ولعل ما يعزز وجهة النظر هذه أن هدف هذه الخطوة، التي أقدمت عليها إدارة الرئيس باراك أوباما، ليس ضمان انتصار الجيش الحر ولا تعديل موازين القوى العسكرية بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية وإنما الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان حكمه للقبول بالتسوية التي لا تزال يلفها الغموض والتي يتردد لدى بعض الأوساط الدولية العاملة على هذا «الخط» أنها تتعلق بالحصة التي يريدها الروس في سوريا المستقبل وأنها تتعلق أيضا بالثمن الذي من الممكن أن يقبل به الأميركيون لإعطاء موسكو ما تريده، وهل هو رحيل الرئيس السوري فقط أم رحيله هو ونظامه؟!

والمعروف أن سوريا بقيت تشكل مجالا حيويا للاتحاد السوفياتي السابق، ليس منذ استفراد حافظ الأسد بالسلطة بعد حركته التصحيحية في عام 1970، ولا منذ هيمنة الجناح اليساري بزعامة اللواء صلاح جديد على نظام حزب البعث بعد حركة فبراير (شباط) عام 1966 التي من رموزها أيضا رئيس الدولة الأسبق الدكتور نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء الأسبق الدكتور يوسف زعين ووزير خارجية تلك المرحلة إبراهيم ماخوس، ولا منذ انقلاب «البعث» على حكم «الانفصال» في عام 1964، ولا منذ الوحدة المصرية السورية في عام 1958، وإنما بعد عام 1949 عندما أصبح خالد العظم رئيسا للوزراء في مرحلة تتابع الانقلابات العسكرية في إطار ما سمي: «الصراع على سوريا» الذي أوصل هذا البلد العربي المركزي إلى ما وصل إليه.

وحسب ما تقوله أوساط الجهات الدولية المعنية بهذه المسألة والمتابعة لها فإن الروس يصرون على بقاء سوريا مجالا حيويا، عسكريا وسياسيا، لهم ولنفوذهم في الشرق الأوسط وعلى غرار ما بقي عليه الوضع في عهد الاتحاد السوفياتي منذ نهايات أربعينات القرن الماضي وحتى الآن، وأن الأميركيين يريدون مقابل هذا أن يسلم لهم فلاديمير بوتين بكل مجالاتهم الحيوية التي استجدت بعد زلازل بدايات تسعينات القرن الماضي إن في أوروبا الشرقية وإن في منطقة بحر قزوين وإن في بعض ما يسمى «الجمهوريات الإسلامية» التي كانت جزءا من الحقبة السوفياتية.. إن الأميركيين يريدون «يالطا» جديدة غير تلك الـ«يالطا» التي تقاسم فيها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية مساحات النفوذ والسيطرة في معظم أجزاء الكرة الأرضية.

وتقول أوساط الجهات الدولية المعنية بهذه المسألة والمتابعة لها أيضا إن عقدة المساومات المحتدمة الآن بين الروس والأميركيين هي أن إدارة الرئيس باراك أوباما تريد حلا في سوريا يتم إقراره في «جنيف2» يستند أساسا إلى تجريد بشار الأسد من كل صلاحياته في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها وتفويض كل مسؤوليات الدولة ومن بينها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والبنك المركزي إلى الحكومة الانتقالية التي من المفترض أن تكون حكومة وحدة وطنية للمعارضة السورية فيها النصيب الأكبر وليس لهذا النظام الحالي فيها، ما قد يوحي بأنه مستمر بعد تجريد رئيسه من كل صلاحياته الرئاسية العسكرية والمدنية وفي كل المجالات وعلى كل الأصعدة.

والمؤكد أن الروس في إطار مبارزة تبادل عض الأصابع هذه هم الذين دفعوا في الآونة الأخيرة في اتجاه كل هذا التصعيد العسكري الذي لجأ إليه هذا النظام بمشاركة حزب الله وإيران وبمشاركة المجموعات الطائفية المسلحة التي استقدمت من العراق ومن اليمن وأيضا من البحرين لإحداث خلل في موازين القوى العسكرية لمصلحة بشار الأسد يمكنهم من فرض وجهة نظرهم على الأميركيين الذين لجأوا هم بدورهم إلى اتخاذ قرار تسليح الجيش السوري للغاية إياها وللسبب نفسه.

لكن ورغم هذا القرار «الدراماتيكي» الذي اتخذته إدارة الرئيس باراك أوباما بالنسبة لتسليح الجيش الحر والمعارضة السورية فإن الواضح أن الأميركيين لم يقطعوا شعرة معاوية مع الروس وأن رهانهم بقي على «جنيف2» وليس على انتصار عسكري تحققه هذه المعارضة، ولهذا فإن وفد «الائتلاف الوطني السوري» بقيادة هذا الشاب أحمد ناصر الجربا الذي أثبت منذ اللحظة الأولى أنه أهل لهذا الموقع ولأكبر منه قد ووجه إن في باريس وإن في نيويورك بأنه لا حل عسكريا لهذه الأزمة وأنه لا بد من التعاطي مع «جنيف2» ولا بد من الاستعداد لحضوره والمشاركة فيه على الأسس التي تم إقرارها في «جنيف1»، والمعروف هنا أن الروس قد ارتدوا على قرارات «جنيف1» وأنهم تنصلوا من الاتفاق على أن لا يكون لـ«بشار الأسد» أي دور في المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها رغم بقائه الشكلي في موقع الرئاسة حتى يوليو (تموز) في العام المقبل 2014.

في كل الأحوال هناك الكثير من الملاحظات التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ونحن في مجال الحديث عن هذه المساومات المحتدمة بين الروس والأميركيين التي تجعل الأزمة السورية تستمر في المراوحة مكانها عسكريا وسياسيا، وهي:

* أن الأميركيين رفضوا استقبال وفد المعارضة السوية في واشنطن وأنهم أصروا على أن يكون ذلك الاستقبال في نيويورك التي يقع فيها مقر الأمم المتحدة.

* أن الخارجية الأميركية قد أصرت على أن لا يشارك رئيس هيئة أركان الجيش الحر الجنرال سليم إدريس في هذا الوفد رغبة منها في عدم إعطائه أي صفة عسكرية.

* أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رفض استقبال هذا الوفد وأنه بعد ضغط عربي وافق على اجتماع مع نائبه، ليس في مبنى الهيئة الدولية وإنما في أحد الفنادق المجاورة. ويبقى في النهاية أنه لا بد من الإشارة إلى أن إيران التي أصبحت رقما رئيسا في هذه المعادلة الصعبة لا يمكن أن تقبل بأي تنحٍّ للأسد لا شكليا ولا فعليا ما دامت تعتبر أن خسارة سوريا ستعني خسارة لها في العراق وفي لبنان، وستعني ضربة قاصمة لمشروعها التوسعي في الشرق الأوسط وفي هذه المنطقة العربية كلها.