السفينة اليونانية تعود إلى المسار الصحيح

TT

ما لم يتوقعه المصريون والأتراك عندما نزلوا إلى الشوارع للقيام بمظاهرات حاشدة أن تسهم احتجاجاتهم الشعبية هذه في مساعدة اليونان المضطرب عندما تحول السائحون الذين يفضلون قضاء عطلاتهم في دول البحر الأبيض المتوسط إلى هنا الآن بأموالهم.

كانت اليونان، نتيجة لخمس سنوات عجاف شهدت خلالها ارتفاع البطالة إلى 27 في المائة وتقلص الاقتصاد بنسبة فاقت الخمس، على وشك الإفلاس. وربما كان الأسوأ من ذلك، مواجهة الإذلال الذي تهيمن عليه ألمانيا.

بدا يانيس ستورناراس، وزير المالية، سعيدا خلال المقابلة التي أجراها مع رويترز هذا الأسبوع والتي أشار فيها إلى أن عائدات السياحة في شهر مايو (آيار) كانت «أفضل بكثير مما كان متوقعا، وإذا واصلنا السير بنفس الخطى خلال الأشهر القادمة فسوف ينخفض الركود هذا العام إلى حوالي 4 في المائة وسوف نحقق مؤشرات إيجابية أمام معدل النمو في العام القادم».

عندما يكون الانكماش الاقتصادي بأربعة في المائة خبرا إيجابيا فربما يكون ذلك مقياسا لمدى شدة محنة اليونان. ووصف صندوق النقد الدولي في تقريره الذي جاء في 207 صفحة والذي صدر قريبا تصحيح الأوضاع المالية العامة في اليونان بأنه «استثنائي». ويتوقع صندوق النقد الدولي، التي قدمت جنبا إلى جنب مع دول منطقة اليورو خطة إنقاذ اليونان بلغت نحو 240 مليار يورو أيضا نهاية الركود العام المقبل.

ونتيجة لمواجهة 15,000 عامل في القطاع العام عمليات تسريح بحلول نهاية عام 2014، وتصاعد الغضب بشأن القرار المفاجئ الذي صدر في يونيو (حزيران) بإغلاق إذاعة إي آر تي العامة، وعدم الاستقرار السياسي المحتمل وبطالة لا تزال ترتفع، قد لا يبدو ذلك الوقت الملائم الحديث عن ضوء في نهاية النفق ـ ما لم يكن هذا الضوء هو القطار القادم في الاتجاه المعاكس.

ولكن شعوري هو أن اليونان في ظل رئيس الوزراء الحالي انطونيس ساماراس آخذة في التحسن (على الرغم من أن خطأ إغلاق إذاعة إي آر تي). ويشير هوجو ديكسون في رويترز إلى أنه يوجد الآن «مسار موثوق» للخلاص، يتألف من عنصرين هما التعديل الواسع، والتحول الثقافي المصاحب له.

فعلى صعيد التعديل تمت إعادة رسملة البنوك ولم يعد هناك أحاديث عن تعرض الجميع لوطأة الضغوط. وتراجعت سيناريوهات الخروج من اليورو الكارثية. وأوشك الحساب الجاري على التوازن، كما هو الحال بالنسبة للميزانية قبل مدفوعات الفائدة. والأجور هي الأكثر قدرة على المنافسة. ولم يكن السياح وحدهم الذين يتوجهون إلى اليونان لرخص الأسعار هناك، فمشتري المنازل وغيرهم من المستثمرين.

لاحظت التحول الثقافي، ولا سيما بين الشبان اليونانيين، في يورجوس ديميتريادس، مدير شركة بيوليا، شركة راقية لإنتاج زيت الزيتون في غرب كريت. والذي نجا من الأزمة، بخفض التكاليف بنسبة 20 في المائة فقط، والتخلص من المخزون، والتكيف مع اقتصاد يريد فيه الجميع المال مسبقا. ليتوقف العمل بمبدأ الدفع في غضون 30 يوما، الذي كان قاعدة في السابق.

وقال لي ديميترياديس: «انظر، أراد الاتحاد الأوروبي مستهلكين، ودربونا بأموال مجانية. كانت الإعانات في مجال الزراعة وحدها لا تصدق. لم يسأل أحد كيف أنفق المال. كان هناك أفراد يملكون عشرة أشجار من الزيتون ويزعمون أنهم ينتجون عشرة أطنان من الزيوت ويحصلون على كل طن، ولم يكن أحد يتحقق من ذلك.

«الآن هناك تصحيح كبير. أضر المال المجاني بالشباب. لكني اليوم أرى شبابا من حملة الشهادات الجامعية يعودون إلى الزراعة. أرى الشباب من المدن يعودون إلى زراعة البرتقال أو الزيتون في أراضي آبائهم. ما كان يجري من قبل لم يكن سوى نوع من الاستهلاك والتسويق والترويج. أعتقد أن الشبان اليونانيين أصبحوا يدركون أهمية القيام بكل شيء بأيديهم، من العمل والإنتاج».

كانت اليونان غير مهتمة تجاه ثروتها الزراعية، فتنتج كريت وحدها حوالي 5 في المائة من زيت الزيتون في العالم ـ لكن غالبيتها تباع بالجملة ومن ثم يتم تسويقه تحت علامات تجارية أخرى. والقدرة على تطوير العلامات التجارية اليونانية، كما فعل الإيطاليون من قبل، قائمة ـ والشباب يعرفون ذلك.

قدنا السيارة إلى الداخل من تشانيا إلى أستريكاس، حيث عاشت وعملت أسرة ديميتريادس بالزراعة لستة أجيال. وقد أحسنت ابنته، كلو، 24 عاما، التي تدرس العلوم السياسية في جامعة ماكجيل في كندا، استقبالنا. وقالت إنها سجلت في دورة الزراعة، وقررت أن تتوجه إلى زراعة أرض أسرتها التي تنتج زيت الزيتون الخفيف.

وقالت: «لم أكن أنوي العودة، اعتقدت أنني سأظل في كندا. لكني قبل نحو عام حضرت وبدأت في مساعدة والدي والتعلم. وكما تعلم، لي صديقة تعمل في مقهى مقابل ثلاثة يوروهات في الساعة ـ وهي تخشى من فقد عملها، ولدي ابن عم ترك الدراسة في جامعة أثينا كي يحضر إلى هنا ويعمل مع جده في الزراعة. وأدركت أن «مستقبلي هنا».

ستعود بريطانيا إلى الأساسيات. وأراهن على أنه بعد عقد من الآن سيجعلنا المحصول أثرياء.

* خدمة نيويورك تايمز