ماذا لو كان تشرشل بيننا اليوم؟

TT

كلما دخلنا في انحراف في مسارنا السياسي كدولة، نجد المتفائلين يستشهدون بسطر ورد على لسان وينستون تشرشل ينص على أن الأميركيين دائما ما سيفعلون الشيء الصحيح، بعد أن يكونوا قد «استنفدوا كل الإمكانات الأخرى». لا أعتقد أن ذلك لا يزال صحيحا بأي صورة. لم يلتقِ تشرشل حزب الشاي، ولم يلتقِ بالطبع أعضاء الجمهوريين الحاليين بمجلس النواب، الجماعة التي تعتبر ضيقة الأفق جدا وغير مهتمة بالحكم - والتسويات اللازمة المرتبطة به - إلى حد أنهم مستعدون لوأد مشروع قانون خاص بالهجرة يصب بشكل واضح في مصلحة الدولة الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية.

من خلال إثباتنا كون تشرشل شبه محق على الأقل، تجاهلنا بحماقة الإصلاح على مدى أعوام. لكن اليوم، في نهاية المطاف، وجدنا ائتلافا يضم أعضاء ديمقراطيين من مجلس الشيوخ و14 عضوا جمهوريا بمجلس الشيوخ توصلوا بشجاعة إلى تسوية بشأن مشروع قانون يوفر، مع عدم كونه مثاليا المزيد من الفرص للمهاجرين أصحاب المهارات العالية والمحدودة الذين نحتاجهم كي نزدهر ويعطي هؤلاء الموجودين هنا بالفعل بشكل غير قانوني مسارا شرعيا للمواطنة. غير أنه يبدو أن الأعضاء الجمهوريين المصابين بالسكتة الدماغية لا ينزعون إلى القيام بالشيء الصحيح

يعترض كثير من الأعضاء الجمهوريين بمجلس النواب على مشروع القانون لأنهم يأتون من مناطق أعيد توزيع الدوائر الانتخابية فيها لصالح حزب بعينه ويهيمن عليها البيض المسنون الذين يعارضون إصلاح قانون الهجرة - بدافع مخاوف من فقدان وظائفهم. وبدلا من محاولة التخفيف من حدة تلك المخاوف بوضع مشروع قانون الهجرة في السياق الأكبر الذي ينتمي إليه، تأخذ مجموعة ناقدة من الأعضاء الجمهوريين بمجلس النواب على عاتقها مهمة دحضه.

ما العالم الذي نحيا فيه اليوم؟ الدول التي لا تبدأ كل يوم بطرح ذلك التساؤل لا تزدهر على المدى الطويل. نحن نعيش في عالم يضم خمس أسواق رئيسة متنافسة: أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي وأميركا الجنوبية والصين وشرق آسيا. لقد حرمنا بالفعل من ميزة اقتصادية كبرى عبر اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا، أو «نافتا». ولو كنا نفكر بشكل استراتيجي، فسوف يأتي على رأس أولويات سياستنا الخارجية تحقيق التكامل لأميركا الشمالية.

أتساءل عن عدد الأميركيين الذين يعرفون أننا نرسل صادرات للمكسيك تفوق صادراتنا للصين بمقدار الضعف، ونصدر للمكسيك وكندا ضعف ما نصدره للاتحاد الأوروبي وثلاثة أمثال ما نصدره لشرق آسيا.

بالمقارنة، من كل دولار واحد من الصادرات الصينية إلى العالم، يأتي أربعة سنتات فقط من منتجات مصنوعة في الولايات المتحدة، بحسب المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

ومع اكتشاف غاز طبيعي في أميركا أدى إلى عودة المزيد من التصنيع إلى هذه الدولة، واحتمال تعليق إصلاح الطاقة في المكسيك، ثمة فرصة لإنشاء أقل مراكز تصنيع الطاقة النظيفة تكلفة في العالم، مع سلاسل إمدادات بشكل متبادل تقطع القارة.

ولتعزيز استراتيجية النمو هذه المربحة لكلا الطرفين علينا أن نستثمر في توسيع رئيس لأروقة المواصلات لتسهيل مرور الشاحنات والنقل المتعدد الوسائط والمرور البشري بأسلوب أكثر فاعلية وقانونية. باختصار، قد نبدأ بالموضع الذي نرغب ونحتاج أن تتجه أميركا الشمالية إليه، بحيث يمكننا تحقيق الازدهار والنجاح بصورة أكبر، ثم تشكيل حد ووضع سياسة هجرة مع كل من المكسيك وكندا من أجل تحقيق ذلك الهدف.

«بدلا من تقليل الحواجز لإقامة حد حديث وبناء قارة أكثر تنافسية وأمانا، يقترح الجمهوريون التعامل مع الهجرة غير الشرعية من خلال مضاعفة دوريات حدودنا إلى أكثر من 40 ألف دورية، بتكلفة إضافية تربو على 40 مليار دولار»، حسبما يشير روبرت باستور، مؤسس مركز دراسات شمال أميركا بالجامعة الأميركية، ومؤلف كتاب «فكرة أميركا الشمالية: رؤية للمستقبل القاري». ويضيف: «بدلا من القضاء على القواعد الكبرى الخاصة بضريبة المنشأ وسن تعريفة خارجية مشتركة وبناء سوق قارية سلسة، يرغبون في عزل دول جوارنا».

بالتركيز بشكل حصري على الأسياج، لن نوقف الهجرة غير الموثقة - لأن 40 في المائة من السكان غير الشرعيين أشخاص ظلوا مقيمين لفترة تتجاوز مدة سريان تأشيراتهم - لكننا سوف نعجز عن الاستثمار في البنية التحتية التي تمثل ركيزة أساسية لمستقبلنا. الأسلوب برمته ضيق الأفق ولا يدعم مواطن قوتنا ويزيد العجز في الميزانية ويتجاهل الاتجاه الذي يسير فيه العالم وكيف يمكن لأميركا المنافسة والقيادة من الداخل. لو كان تشرشل بيننا، لانتابته حالة من الذعر.

* خدمة «نيويورك تايمز»