لو يفعلها محمد بديع!

TT

تسربت أنباء، في هذا الأسبوع، عن أن الدكتور محمد بديع، مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين، قرر إلغاء درسه الأسبوعي، الذي يتوجه به مساء كل ثلاثاء إلى أعضاء الجماعة، وقرر أن يتوجه في الثلاثاء المقبل، بدلا منه، بكلمة إلى المصريين جميعا.

وقد استطاع أحد المقربين من بديع أن يحصل على نص الكلمة المكتوبة، وأن يسربها إلى أكثر من وسيلة إعلامية.

وما كادت الكلمة إياها تصل إلى الذين تسربت إليهم، حتى كانت على كل لسان، وحتى امتلأ بها فضاء الشاشات.

قال بديع في كلمته: أيها الإخوة المصريون.. أريد أن أعترف لكم ابتداء بأن كلمتي هذه تأخرت أكثر من شهر، وأنني كان يجب أن أتوجه بها إليكم مساء يوم 03 يونيو (حزيران) الماضي، عندما بدا لي، ولغيري في الجماعة، أن الملايين من بينكم قد خرجوا فيما يشبه الاستفتاء الشعبي التلقائي على رفض بقاء «مرسي» عضو الجماعة، في قصر الرئاسة.

أصارحكم بأنني يومها قد رحت أفرك عيني أكثر من مرة، لأتأكد من حقيقة المشهد المهيب، الذي طالعه العالم كله، في ذلك اليوم.. ولا أخفي عليكم، أنني قبلها لم أكن أصدق ما كان الإعلام يردده، عن أن الرأي العام في مصر، صار في أغلبه، ضدنا، كجماعة إخوان، وضد مرسي، كرئيس.

لم أكن أصدق، لأنني كنت، وإلى ساعات قليلة مضت، أتصور أننا كإخوان، قدمنا لمصر ما يجب أن نقدمه، فإذا بمشهد يوم 30 يونيو، وإذا بمشاهد الأيام التي جاءت بعده، تشير بوضوح لا تخطئه أي عين بصيرة، إلى أن هناك خطأ، بل خللا كبيرا، وأن الجماعة وحدها هي المسؤولة عن هذا الخلل، في علاقتها بأفراد الشعب.

كنت، طوال الشهر التالي لـ30 يونيو أحاول ألا أصدق، وكنت أتصور أن هناك من يتآمر علينا، وأن هناك من يرفض بقاءنا في الحكم، لمجرد أنه يكره المشروع الإسلامي الذي نحمله، في حد ذاته.

غير أن الله تعالي قد هداني، هذا الأسبوع، فجلست مع نفسي، وبدأت أسأل نفسي في هدوء: ماذا قدم المشروع الإسلامي، الذي نعتقد أننا نحمله، للناس عموما، ثم لآحادهم خصوصا؟! فهؤلاء الآحاد، على وجه الخصوص، كانوا قد تعاطفوا معنا، طويلا، على مدى سنوات الاضطهاد في عصور سياسية سبقت، وكانوا أيضا، وهذا هو الأهم، قد وقفوا معنا، يوم قررنا أن نرشح أنفسنا في البرلمان، وفي الرئاسة، وكانوا يتوقعون منا أن نقدم لهم شيئا مختلفا، وحقيقيا، بما يعوضهم عما عاناه كل واحد فيهم، مع الرئيس السابق مبارك، وغيره من الرؤساء السابقين.

صحيح أننا واجهنا صعوبات بالغة، أثناء وجودنا في الحكم، وصحيح أن كثيرين كانوا يقاوموننا بكل قوة، وصحيح أن أجهزة في الدولة لم تكن ترحب بالتعاون معنا.. صحيح هذا كله.. غير أن الأصح منه، أنه إذا كان هناك ذنب فيما جرى، فنحن وحدنا الذين نتحمله، لأننا نحن الذين اخترنا أن نكون مسؤولين في مواقع الحكم، وما دام هذا هو اختيارنا منذ البداية فالمسؤولية تقع على عاتقنا وحدنا، كما أن الفشل في تقديم شيء حقيقي للناس، يجب أن نتحمله وحدنا أيضا، وأن نعترف به، وألا نجادل فيه، لأن هذا الجدل لن يجدي في كل الأحوال.

أصارحكم، أيها المصريون، بأنه كان صعبا علينا جدا، أن نكون في قلب الحكم، ثم نجد أنفسنا خارجه فجأة، خاصة أنكم تعرفون، أننا انتظرنا هذه اللحظة، لحظة الوصول للسلطة، 85 عاما كاملة، منذ أن كانت الجماعة قد نشأت، عام 1928. ولذلك، فإن المقاومة العنيدة والعنيفة، التي بدت منا، إزاء ما جاء بعد 30 يونيو، لها عذرها، إذا ما نظر إليها أي متابع، في هذا الإطار.

لا أريد أن أطيل، ليس كراهية في الإطالة لذاتها، وإنما لأن ما حدث قد حدث، ولأنني، حين تأملت ما حدث في 30 يونيو، على حقيقته، وحين جردت نفسي من مشاعري، اكتشفت مع بعض إخواني في الجماعة، أننا إذا كنا قد واجهنا الدولة، كسلطة وأجهزة حاكمة، أيام فاروق، وعبد الناصر، والسادات، ومبارك، فلا يجوز أن نواجه الشعب نفسه الآن.

هذه، بالضبط، هي النقطة الفاصلة التي أقنعتني بأن علينا أن نراجع أنفسنا، كإخوان، وأن نُخضع تجربتنا كلها، لمراجعة شاملة، وصادقة، وأمينة، بهدف ترشيدها، واستخلاص الدروس الواجبة منها.

إنني، كمرشد عام للجماعة، أملك من الشجاعة ما يكفي للاعتذار لكم، عن أي خطأ وقعنا فيه، وأعلن أمامكم، أن ما حدث، قد أخضع أفكارنا لمراجعة جذرية، وأننا لهذا، قد قررنا التفاعل مع دعوات المصالحة الممتدة إلينا من الدولة، لنجلس، ثم نتكلم على أساس أننا أبناء وطن واحد يعلو على كل ما عداه.

هكذا تحدث محمد بديع، في خيالي، الذي أتمنى أن ينقلب إلى حقيقة.