تغريد علني

TT

عيني بترف وراسي بتلف وعقلي فاضل له دقيقة ويخف..

الصحف البريطانية قامت ولم تقعد لأن أحد العيال الذين يجلسون في الغرف المغلقة وأمامهم أجهزة الكومبيوتر التي تشعر كلا منهم بأنه فارس الفوارس والفرعون المصون أرسل رسالة تهديد بالاغتصاب لسيدة صاحبة حساب على «تويتر». هذه السيدة واسمها كارولين كريادو بيريز بدأت حملة إعلامية تفيد بأن صورة الملكة التي تظهر على أوراق البنكنوت هي الصورة الوحيدة لامرأة. واعتبرت مثل هذا الإقصاء للنساء صاحبات الإنجاز مخالفة يجب تصحيحها. ونجحت الحملة بحيث أصدرت السلطات بيانا يفيد بأن وجه الكاتبة الإنجليزية الشهيرة جين أوستن سوف يطل على الجمهور من كل ورقة بنكنوت من فئة الجنيهات العشرة ابتداء من عام 2017. فاعتبر البعض أن القرار المنصف للنساء فصل جديد من فصول سعي المرأة للحصول على المزيد من الامتيازات والتحرر من كل أشكال الإقصاء والهيمنة. وهذا لا يعجب بعض الفراعين.

في اليوم نفسه الذي أعلن فيه أن حملة كارولين نجحت وصلتها رسالة سباب وتهديد بالاغتصاب على «تويتر».

استرعى الموضوع انتباهي فقرأت كل النصائح التي أرسلها المتعاطفون لكارولين، ومنها وسائل لمكافحة الفرعنة. ثم توقفت لحظة عند نفوري الغريزي من التغريد العلني، الحميد منه والخبيث.. ما فائدة التغريد عمال على بطال وفتح أبواب للمتفرعنين الكارهين للنساء عامة وصاحبات الرأي خاصة للتطاول والتخابث الحقير؟ أليس من الأفضل أن نتواصل مع من نحب كتابة أو هاتفيا أو برسائل الإنترنت؟ التغريد في رأيي يوجع الدماغ ويسرق الوقت والمجهود.

بسبب التغطية الإعلامية للحدث اكتشفت أن القانون البريطاني يتضمن بندا لمعاقبة أصحاب الرسائل الحاقدة الماكرة. ومعنى ذلك أن الرسالة التي تتضمن تهديدا أو سبابا يمكن أن تعرض على الشرطة لمعاقبة الجاني. بعد عدة أيام ألقي القبض على الفرعون ابن الخمسة والعشرين عاما.

ولعل أطرف نتائج ذلك الموقف أن امرأة من مستخدمي موقع التغريدات حصلت على اسم وعنوان والدة الجاني وأرسلتهما لصاحبة المظلمة ناصحة إياها بإرسال مضمون الرسالة الحقيرة لأم الفرعون الصغير. فأعجبتها الفكرة وبالفعل أرسلت نسخة من الرسالة لأم الفرعون. ولا أحد يعلم كيف تصرفت الأم الإنجليزية. لو كانت أما عربية لانهالت عليه كلاميا، وربما ذرفت دموعا من باب الحسرة على مجهودها الضائع في تربيته، وفي الحالات الأكثر ميلا إلى الدراما التلفزيونية ربما «طرقته كفا أو كفين على صدغه».

لا أحد يعرف ما فعلته الأم الإنجليزية، ولكن الفرعون أرسل رسالة اعتذار للمجني عليها قبل إلقاء القبض عليه. المهم هو أن الموقف أثار زوبعة إعلامية، فأصبح لزاما على القائمين على «تويتر» أن يبذلوا كل نفيس وغال للحيطة والحذر من المتطاولين على خلق الله، خصوصا أن الأعذار التي قدمتها الشركة لم تقنع الرأي العام، وهي أن «تويتر» منبر للرأي الحر. وعليه قررت السلطات أن تطبق على موقع «تويتر» القانون المطبق على كل شركات النشر والتي تعتبر مسؤولة عن كل ما ينشر في منتجها الإعلامي.

قبل مائة عام طالبت امرأة اسمها إيميلين بانكهيرست بمنح المرأة الإنجليزية حق التصويت في الانتخابات. فثار الفراعين، واقترح أحدهم أن تسجن إيميلين لمدة خمس سنوات مع الشغل والنفاذ. وكانت زميلاتها المتظاهرات في الشوارع يُحملن قسرا بأسلوب مهين لكي تتفرق جموعهن اقتناعا بأن مطالبة النساء بحق التصويت نشوز وخروج على الآداب العامة.

ولكن الحق لا يضيع ما دام أصحابه يطالبون به. وقبل أن ينتصف القرن العشرون حصلت الإنجليزية على حق التصويت، وقبل نهاية القرن وصلت مارغريت ثاتشر إلى رئاسة حزب المحافظين ومن بعد رئاسة الحزب أصبحت رئيسة للوزراء.