نجاحات متتالية يكشفها فيلم استثنائي!

TT

أمر مذهل، لا يصدق، ولم يكن من الممكن تخيله؛ السعودية تصادر كميات من الحشيش المخدر في عام واحد تفوق الكمية الموجودة في أي مكان في العالم، وإحدى عمليات التهريب التي أحبطتها السلطات السعودية كانت ثاني أضخم عملية تهريب في العالم، والسعودية تصادر سنويا أكثر من ربع الحبوب المخدرة المصادرة عالميا!

كل المقارنات تجري قياسا بما يحصل في العالم، ليس بالمقارنة بالمنطقة أو القارة، بل بكل الكرة الأرضية!

هذه المعلومات كشفها فيلم وثائقي عرضته قناة «العربية» مؤخرا تناول حرب المخدرات في السعودية، الحرب بين خصمين؛ السلطات التي تكافح، والمهربين والمروجين الدهاة الذين ابتكروا وسائل تهريب لا يمكن لعقل إنسان أن يتوقعها. عرض الفيلم سيارة عبرت الحدود الشمالية للمملكة محملة بـ250 ألف حبة حشيش يقودها رجل يظهر مسنا ضعيف البنية برفقة زوجته، وصندوق لمصحف من القرآن الكريم يحوي 20 ألف حبة حشيش، وصورة إشعاعية لجسم إنسان تحوي 100 كبسولة من الهيروين النقي في جوف عامل باكستاني عبر الحدود الشرقية متجها للرياض، إضافة إلى ضبط زورقين حمولتهما نحو طن من الحشيش. الفيلم يقول إنه خلال العام الماضي صادرت السلطات السعودية قرابة 21 طنا من الحشيش المخدر معظمها قادمة من اليمن!

هل قلت طن؟ هذا مستحيل..

لمن هذه الكمية المهولة من الحبوب المخدرة والمنشطة؟ 21 طنا في بلد تزرع المخدرات كأفغانستان أو كولومبيا أمر مفهوم، حيث تزرعه عصابات المخدرات على مساحات شاسعة للتصدير والمتاجرة، وقد توجد مثل هذه الكمية في بلد كاليمن يعتبر نقطة تجمع حمولات من المواد المخدرة وتوزيعها على بلدان مجاورة، أما السعودية فمصادرة 21 طنا لا يمكن النظر إليها على أنها للترويج أو التكسب التجاري، هذه محاولات إغراق، إغراق المدن الرئيسة تحديدا بالمنشطات التي تستهدف طلاب المدارس والجامعات، ذكورا وإناثا. السعودية شاسعة المساحة وحدودها الممتدة لآلاف الكيلومترات في كل الجهات الأربع تعني أن الحرب على المخدرات حرب ضروس، لأن الهدف من التهريب والترويج ليس تجاريا بالدرجة الأولى، الهدف هو ضرب الدولة في شبابها، العمود الفقري لها. إن واحدا من المعابر البرية في المملكة يمرر في اليوم الواحد 3000 شاحنة وألفي سيارة! كيف يمكن ضمان مرور نظيف لهذه المركبات كل يوم؟ إنه تحد عظيم.

كمشاهدين نعلم أن مشكلة المخدرات ليست حكرا على بلد أو ثقافة بعينها، هذا مفهوم نظري، أما وقد وضعت بين أيدينا معلومات مريعة كالتي ذكرت، فالأمر هنا اختلف.

لا أنكر أنني توقعت أن يكون فيلم «العربية» ذا طرح مختلف، بحكم معاييرها المرتفعة، لكنني فوجئت بالكثير، مما حملني على الاتصال بمنتج الفيلم لأستبين منه عن خلفية ما جرى عرضه، لكنه أمعن في إدهاشي وزادني تعجبا، وتركني مع سؤال مستحق؛ كيف يمكن أن تدار مثل هذه المعارك الطاحنة بصفة شبه يومية في المملكة من دون أن يسمع المواطن العادي طبولها؟ 400 رجل أمن فقدتهم المملكة في سبيل مكافحة المخدرات خلال 20 عاما تعني أننا نواجه حربا حقيقية.

الأرقام التي عرضها الفيلم كانت سلبية بالتأكيد، مؤلمة ومخيفة، لكن يأتي في مواجهتها جهة مضيئة تشي بالأمل، أولها أن في إدارة مكافحة المخدرات وحرس الحدود والجمارك رجالا مدربين يعلمون ما يفعلون، يتحلون بمهارة وحصافة ومراقبة لصيقة في الليل كما في النهار، ينقضون على المتسللين الحاملين لهذا الشر الأبيض، شجعان، تحفظ ذاكرتهم قصصا مروعة عن ضحايا المخدرات جعلتهم يحافظون على عزيمة دفاع عالية.

الأمر الإيجابي الآخر الذي يعد حدثا غير مسبوق، أن عدسات التصوير التي استخدمت في الفيلم لا تنتمي لإدارة مكافحة المخدرات، بل لشركة إنتاج من خارج أسوار وزارة الداخلية السعودية، سمح لها بالدخول والتصوير الحر، من دون تحديد أو اختيار لمشاهد معينة، وهذا ما أعطى الفيلم تفردا عن الأفلام أو التقارير التي يتم جمعها من الإدارات نفسها وعرضها إعلاميا بالطريقة التي تنتقيها أو تلمعها. هذه الشفافية في تصوير المداهمات وعمليات القبض والضبط والتحدث مع المهربين وحرية تحرك فريق العمل على المعابر الحدودية ودخول غرفة العمليات التي تتحرى وتستخبر، كلها تعكس قناعة جديدة لدى المسؤولين بأهمية التوعية ضد المخدرات بطريقة تواكب الانفتاح الإعلامي الذي يشهده العالم.

هذه الرسالة نشترك فيها جميعا، التوعية بمخاطر المخدرات لم يعد يكفيها حمل لافتة تحمل عبارة «لا للمخدرات»، ولم تعد الدراما التي تظهر مدمن المخدرات وهو يصرخ ويضرب برأسه الجدار ويفلس من أجل جرعة مخدر مقنعة للمشاهد، لقد خبا بريقها وفقدت حرارتها، الشاب العادي يستطيع اليوم أن يصنع الدراما والمشهد، يستطيع أن يلتقط بعدسته حادثا حقيقيا في الشارع ويبثه في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد يقتنع بالتنظير في المؤتمرات ولا بالمطويات التوعوية ولا بالمشاهد التمثيلية، إننا أمام جيل يطلب الشفافية ليصدق، والواقعية في الطرح ليرى الحقيقة، وهو ما قدمه الفيلم الاستثنائي.

[email protected]