هل «الرجل المفرد» هو تركيا أم إيران؟

TT

«تحولت تركيا من الرجل المريض إلى الرجل المفرد».. كان هذا هو عنوان الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء عن تركيا منذ أيام قليلة، وادعت الوكالة الإيرانية أن تركيا قد أصبحت معزولة عن العالم بسبب سياستها الخارجية. ويبدو أن تشبيه «الرجل المريض» الذي أطلق على تركيا إبان انهيار الإمبراطورية العثمانية ما زال ماثلا لدى من يريدون أن يتناسوا، حيث تناسوا جمهورية تركيا القائمة منذ 90 عاما وباتوا يتحدثون عن تركيا التي تحولت من رجل مريض إلى رجل وحيد.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تركيا وحيدة حقا؟ والإجابة هي: نعم، تركيا دولة وحيدة ومتفردة في موقفها الذي يتسم بالشجاعة والتصميم بالشكل الذي يجعل العديد من الدول تحسدها على ذلك. لقد تعرضت السياسة الخارجية التركية لانتقادات من دوائر عديدة في الآونة الأخيرة. ويرى البعض هنا أن علينا أن نتصرف وفقا للمواقف الغربية، لأنهم لا يرغبون في أن يفقدوا التأييد الغربي. ويرى هؤلاء أنه يتعين على تركيا أن تغض الطرف عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وألا تتدخل في الشؤون الأفريقية وإعطاء امتيازات للمنظمات الشيوعية الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني من أجل تحسين العلاقات مع الأكراد. ويرون أيضا أن تركيا تحت قيادة الغرب سوف تحقق قدرا أكبر من الرفاهية، ونسوا أن تركيا تحت إمرة الغرب كانت تعاني من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي واسع النطاق في التسعينات من القرن الماضي.

وأعتقد أن موقف تركيا تجاه بشار الأسد يستحق التقدير والثناء، ولو كانت تركيا قامت بشيء عكس ذلك، لغامرت بتاريخها ووجودها. إن معارضة تركيا للأسد قد كلفها الكثير من الناحية المادية والسياسية، حيث خسرت تركيا عائدات سنوية تقدر بنحو ملياري دولار، علاوة على أنها قد فتحت المدن التركية أمام 400 ألف سوري وتعهدت بتلبية احتياجاتهم. والآن، تحمل جماعات متشددة تركيا مسؤولية احتجاز لبنانيين من قبل المعارضة السورية، وقامت باختطاف اثنين من الطيارين الأتراك!

وكما تحدثت بالتفصيل في مقال سابق، فإن التهديد الذي تمثله الجماعات الشيوعية الكردية على الحدود التركية قد جعل تركيا تتخذ موقفا دفاعيا. ويشجع الأسد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابيين على الوجود على حدودنا الجنوبية الشرقية.

لقد أدى انفتاح تركيا على قارة أفريقيا إلى غضب بعض الدول الأوروبية، ولا سيما تلك البلدان التي تسعى لاستغلال أفريقيا لتحقيق أهدافها الخاصة. ولفتت تركيا فجأة انتباه العالم إلى الصورة الرهيبة في أفريقيا، وفتحت سفارات في بلدان لم تشهد ذلك من قبل وعقدت مؤتمرات حول المساعدات والوعي وأرسلت أطباء ومتخصصين في التعليم وعلماء إلى هناك. لقد نجحت تركيا من خلال هذه المبادرات في القيام بما لم تقم به أي دولة منذ العصور الاستعمارية. وماذا حدث ردا على ذلك؟ وقع هجوم بالقنابل ضد سفارتنا لدى الصومال! ويعني هذا أن وجود تركيا هناك يؤرق جهة ما!

وفي الوقت الذي يجري فيه إلصاق كل شيء بتركيا، بدءا من الاضطرابات في الشرق الأوسط وحتى الاحتجاجات في البرازيل، لم يعد من الصعب علينا أن نرى الآن أن تركيا قد باتت لاعبا محوريا على الساحة الدولية. في بعض الأحيان، تضطر تركيا للدخول في رهانات خطيرة وتحمل مخاطر كبيرة، وقد أخذت تركيا هذه المخاطر على عاتقها وتدفع ثمن هذه المخاطر من سياستها الخارجية. ولكن لماذا تقوم بذلك؟ إنها تقوم بذلك من أجل الإنسانية والحقيقة والحق، وهذا هو السبب الذي يجعل تركيا وحيدة.

الموقف التركي لا يتسم بالكمال بالطبع، وهناك بعض المواقف غير الصحيحة التي كلفت تركيا كثيرا أيضا، وهناك العديد من الأشياء التي يجب أن تتغير، فلا تزال الدولة بحاجة إلى تهدئة بعض المواقف القاسية والاتجاه بصورة أكبر نحو الديمقراطية، لأن الديمقراطيات لا تبقى ساكنة، بل تتغير وتنمو باستمرار.

وبالعودة إلى تقرير وكالة «فارس» للأنباء، فإن أكثر شيء أثار دهشتي هو أن مثل هذه الانتقادات قد جاءت من بلد مثل إيران، التي تعد بالفعل «الرجل المفرد»، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم، ومنذ سنوات عديدة! ودائما ما لعبت إيران ببطاقة التهديد النووي، ليس فقط ضد الغرب، ولكن حتى ضد جيرانها العرب، كما تحرض على الانقسام بين الشيعة والسنة بدلا من تشجيع الوحدة الإسلامية، علاوة على أنها دائما ما تهدد باستخدام حزب العمال الكردستاني وحزب الله، حتى ضد الدول الصديقة مثل تركيا. وقد عززت إيران التطرف الشيعي ضد التطرف السني، كما أن «إيران المكروهة» لديها مشاكل مع جميع جيرانها تقريبا، باستثناء نظام الأسد ولبنان، ومع معظم بلدان العالم، باستثناء عدد قليل من الأنظمة الشيوعية مثل كوريا الشمالية، وهو ما يعني أنها دولة معزولة منذ سنوات.

وحتى الشعب الإيراني ليس سعيدا داخل بلاده، ويعيش معظم السكان في هذا البلد الذي يعد من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم في فقر مدقع، ووصل معدل التضخم في شهر يونيو (حزيران) إلى 106 في المائة، علاوة على أن عدم المساواة في الدخل والحظر التجاري بسبب البرنامج النووي والفساد والرشوة والمحسوبية قد خلقت صعوبات جمة للشعب الإيراني. وبينما لا تشعر النخبة بارتياح إزاء التهميش منذ زمن الشاه، أصبح المتشددون الأقوياء أكثر تشددا من ذي قبل، وأصبح شيوعيو إيران الماركسية أكثر قوة، وهو ما يجعل الشعب الإيراني غير راض عن ذلك مطلقا.

إيران هي «الرجل المفرد» بالفعل، لأنها البلد الذي يبدو أن سياسته الخارجية تقوم على تهديد الآخرين وإظهار الغضب. تحتاج إيران إلى اعتماد الود والتصالح، بدلا من أن تستثمر كل ما تملك في البرامج النووية، كما أنها بحاجة إلى التقرب من الآخرين، بدلا من فرض الإملاءات والعقوبات عليهم، وإيجاد حلول بـ«المودة»، بدلا من خلق المزيد من المشاكل من خلال تصنيع الأسلحة. إيران بحاجة إلى أصدقاء وليس أعداء.

خلال أدائه اليمين الدستورية، قال الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني كلمات لافتة للنظر: «الكلمة الأهم هي الاعتدال. الاعتدال لا يعني التخلي عن القيم الدينية، ولا يعني المحافظة المتطرفة، ولكنه يعني حماية الشخص من التطرف. التغيير يتطلب الاعتدال». في الحقيقة، تدعو هذه الكلمات إلى الأمل، وتجعلنا نعتقد أنه قد يحدث تغيير في وجه إيران الغاضب من الآن فصاعدا. وربما تدعو إيران العالم الإسلامي إلى التوحد بدلا من الانقسام، وربما تعمل على الإخاء بين السنة والشيعة، بدلا من تحريضهم ضد بعضهم البعض، وربما تؤمن بأن شعبها يمكنه البقاء من خلال الحب، وتعمل في نهاية المطاف على القضاء على التطرف وجميع طرق التفكير الضارة. قد يجعل ذلك إيران دولة محبوبة وربما يسعد الشعب الإيراني ويجعله يشعر بالحرية. إن إيران دولة قوية وتستطيع ذلك، وسيكون أمرا طيبا أن نصبح أصدقاء!