يوم ذبحت المومياوات

TT

ما زلت أذكر ذلك اليوم الحار الرطب من عام 1969 عندما وصل القطار الذي يقلني إلى مدينة صغيرة تسمى ملوي بمحافظة المنيا والتي يسميها المصريون عروس الصعيد، وكان وصولي للمدينة لكي أتسلم عملي مفتش آثار لمنطقة تونا الجبل الأثرية القريبة من ملوي. وبمدينة ملوي يوجد متحف صغير يسمى متحف آثار ملوي، أنشئ المتحف في 23 يونيو (حزيران) 1962 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكي يعرض به الآثار الفرعونية والبطلمية وآثار العصر اليوناني الروماني في مصر، وبشكل رئيس تلك المجموعات الأثرية الرائعة والفريدة التي كشفها الأثري المصري سامي جبرة من حفائره في تونا الجبل، إضافة إلى آثار الأشمونيين ومير وتل العمارنة والأخيرة هي مدينة أخناتون أول فرعون مصري نادى بالتوحيد وعبادة الإله الواحد. وتم افتتاح المتحف في 23 يوليو (تموز) عام 1963 بقاعاته الأربع وتصميمه المعماري البسيط وأكثر من ألف قطعة أثرية فريدة، كواحد من إنجازات ثورة يوليو 1952.

هذا المتحف نهب تماما يوم الخميس الماضي على يد من يدعون السلمية في مظاهراتهم واعتصاماتهم الدموية والتي كان من نتيجتها نهب وتخريب المتحف ومبان حكومية مجاورة وقتل أبرياء، منهم عامل المتحف البسيط الذي نال رصاصة في رأسه لأنه صرخ في وجوه هؤلاء «السلميين» وقال: (حرام! حرام!).

أمام أعين الأهالي العزل من سكان المنطقة تم نهب المتحف وحرق كنائس أثرية يتعدى عمرها قرونا وقرونا عمر دولة كالولايات المتحدة الأميركية! هل هذا هو كل حجم الكارثة؟ وهل هذا هو كل جرم أدعياء السلمية؟ لا! إن الدم المصري سال ولا يزال يسيل وأصبح في قلوب المصريين براكين غضب ستأتي على الأخضر واليابس إن لم يضمد الجرح، ويعالج الأمر! ولا أعرف كيف؟ ووسط الظلم وهجوم أتباع أميركا من دول الشرق والغرب ومنها أسماء بلاد غريبة على الأذن لا نعرف حتى موقعها على الخريطة, تنال من مصر ومن أهلها الذين فقط أرادوا الحرية والعيش الكريم، تأتي كلمة الحق وموقف الرجال من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يقول للمصريين إن السعودية معكم في معركتكم مع شيطان الإرهاب وأباطرة التطرف وتجار الدين.

مصر بلد عظيم قدم كثيرا في خدمة الدين الإسلامي وقضايا الأمة العربية، واليوم تجد مصر السعودية والإمارات العربية والكويت والأردن تضمد الجرح المصري وتعلن مواقفها واضحة ولا نزال ننتظر موقف باقي الأشقاء لتعلن وتكشف عن مواقفها، وهل هناك خير من المحن للكشف عن معادن الرجال وما يعتمل في الصدور؟!

ليس التراث الحضاري المصري هو المقصود وحدة بالتدمير والتخريب وإنما كيان دولة مصر كله ودم أبنائها الذي طالما روى ترابها حماية وحفاظا على وحدتها وأمنها. لقد فتح «السلميون التتريون» التوابيت الضخمة التي عصا عليهم حملها وسرقتها، فوجدوا مومياوات المصريين القدماء بناة الحضارة ترقد في أمان، فماذا فعلوا؟ ذبحوا المومياوات من نحورها وفصلوا رؤوسها عن أجسادها! هل تدمير متحف أثار ملوي وسرقة ألف وخمس وأربعين أثر وذبح المومياوات وقتل المصريين سيهدم مصر؟ الإجابة أتركها لكل من يقرأ هذه السطور ولكل من يعرف تاريخ مصر.