في الدفاع عن النفس

TT

في أفلام الغرب الأميركية، نتعرف في عدد منها على شخصية لا تظهر في الحضارات الأخرى، إنه صائد الجوائز. وهو ذلك الشخص الذي يطارد المجرمين الهاربين، ويقوم بتسليمهم أحياء لرجال الشرطة، أو بتسليم أجسادهم لأقرب حانوتي، وهو ما تلخصه الجملة الشهيرة، حيا أو ميتا، وبعد أن ينتهي من مأموريته يمر على الصراف في قسم الشرطة ليحصل على الجائزة المخصصة لمن يقبض على المجرم حيا أو ميتا. وفي كل الأفلام التي رأيناها كان صائد الجوائز يتمكن من اصطياد الزبون واصطياد الجائزة. كما ترى هو لا يعمل لصالح أجهزة الأمن أو الوطن بل هو قاتل قطاع خاص، هو شخص قادر على القتل ومرخص له به وراغب فيه، وعلى استعداد أن يموت - وطظ في الجائزة - عند ارتكاب هفوة تجعل فريسته قادرة على إشهار المسدس بأسرع منه ولو لثانية واحدة.

غير أن إطلاق النار على آخرين، هو أمر صعب للغاية حتى في حالات الدفاع عن النفس، حتى مع افتراض أن المدافع تلقى تدريبات كافية على استخدام السلاح، فالتدريب على إطلاق النار وإجادة التصويب شيء، وإطلاق النار على إنسان هو شيء آخر، حتى لو كان المهاجم يهدف لقتلك وبشكل واضح. إطلاق النار يتطلب تدريبا خاصا، ولكن أن تضرب لتقتل فهو يستلزم تأهيلا عقليا يبعد عنك التردد ولو للحظة واحدة. لا تستطيع أن تقتل شخصا بغير أن تشعر باحتقار كبير له، هذا هو بالضبط ما تدرب الجيوش جنودها عليه عند القتال؛ أن يحتقروا العدو.

أنا أعتقد أن رجال الشرطة المصرية الذين قُتلوا وجرى التمثيل بجثثهم في قسم كرداسة، وهؤلاء الذين قتلوا شر قتلة في قسم شرطة أسوان، لم يطلقوا النار على مهاجميهم أصلا أو لم يضربوا بهدف القتل، لأنهم ليسوا قتلة ولم يجرِ تأهيل وتدريب عقولهم على القتل. ولكن المهاجمين كانوا جاهزين ومؤهلين للقتل وما هو أكثر. الأكثر من كل ذلك هو أنهم كانوا مستمتعين به.

غير أن كل ما تتعلمه عن المعركة، يتبخر من عقلك في لحظات المعركة ذاتها فتتحول إلى وحش يدافع عن نفسه بشكل غريزي تماما. كما أنه لا شيء يعلمك المعركة، مثل المعركة ذاتها. المعارك التي يخوضها رجال الشرطة الآن ستؤهلهم للمزيد من اليقظة والحرص والاستعداد الدائم للدفاع عن النفس. الآن فقط امتلأت نفوسهم بل ونفوس الناس جميعا بالاحتقار الكافي لدفعهم لإطلاق النار على أجساد من يهاجمونهم. مجرد مشاهدتهم لما حدث لزملائهم سيؤهلهم لخوض معركتهم بشكل أكثر فاعلية، وبخسائر أقل.

هناك تغير حدث في علاقة الشرطة المصرية بالشعب، لقد أصبحت الشرطة في حماية الشعب، وليس فقط في خدمته. من المستحيل على أي جهاز معلومات أمني أن ينجح في عمله بغير تعاون حقيقي من الشعب، وهذا هو ما حدث بالفعل في الأسبوع الأخير، وذلك بعد أن قُبض على معظم قيادات الجماعة الهاربين في ساعات.. ولكن المعركة ما زالت قائمة.