السابق والمخلوع

TT

يبشرنا موقع إلكتروني مخصص للرؤوس المتوجة بأن نجل أميرة موناكو سيتزوج، آخر الشهر، بخطيبته الآنسة تاتيانا سانتو دومينغو. إنه موقع يعيش على أخبار العائلات النبيلة والملكية ويتتبع ولاداتها ووفياتها وخطباتها وزيجاتها وطلاقاتها وتفاصيل احتفالاتها واجتماعاتها، أفراحا وأتراحا. إن هناك، دائما، قراء يعشقون تلك الحكايات ويتناسون معها واقعا رثا ويحلقون في صحبتها على جناح حلم وردي.

تأسس الموقع قبل خمس سنوات. وأرادت له صاحبته أن يكون ملتقى لتبادل المعلومات التاريخية حول سلالات ملوك أوروبا والأخبار المستقاة من أصحاب الشأن أنفسهم. ونجحت الفكرة ولقيت إقبال مستخدمي الإنترنت وتطوع بعضهم ليكون مراسلا، أو مصورا له. وبلغ النشاط ذروته مع عرس الأمير ويليام، نجل ولي عهد بريطانيا، وزواج أمير موناكو، في صيف واحد، مما كاد يعطل الموقع تحت وطأة الآلاف الذين يزورونه.

وإذا كان لدينا رؤساء مخلوعون أو سابقون يعدون على أصابع اليد، فإن هناك، في أوروبا، مجتمعا واسعا يضم هؤلاء، يحرصون فيه على التخاطب بالألقاب الفخمة والتسميات النبيلة المصحوبة بالانحناءات المدروسة والمحسوبة بالملليمتر. أصحاب سمو وفخامة وجلالة بالجملة، وحشد من الدوقات والكونتيسات، الذين يأخذون مواقعهم وفق تراتبية بروتوكولية دقيقة يحفظونها فيما بينهم ويتمسكون بها تمسك الغريق بخشبة لم يبق له غيرها. إن أغلبهم يعيش في المنافي، ويتدفأ بالأوسمة الملغاة وبصور الذكريات وبأسماء الأجداد الراحلين والجدات اللاتي ألهمن الرسامين والشعراء والجواهرجية.

جواهرهم وتيجانهم هي كل ما تبقى من دلائل مجد سالف. لذلك فإنهم يحرصون على التزين بها في المناسبات التي تجمعهم بشكل دوري. خطوبة في سالزبورغ، ومعمودية في نيس، وزواج في لوزان. يسلم سليل ملوك فرنسا على حفيد ملك اليونان، ويقبّل أمير بلغاريا يد إمبراطورة إيران. إن صفة «سابق» ممنوعة من التداول بينهم. وهم يتجاهلونها ويمضون في تلبس أدوارهم الممتدة في الحاضر، من دون أن يهشوا أو ينشوا.

لكن المنازل المستعارة والشقق الراقية تبقى منافي، مهما تدفأ المرء فيها بالزمرد والياقوت. وفي المنافي، بعيدا عن عواصم الحكم والقصور التي يهرول فيها الخدم والحشم، يرى أبناؤهم وبناتهم النور في مستشفيات مع مواليد عامة الشعب. وعندما تأتي ممرضة السجل المدني لأخذ بيانات الطفل تكتشف أنها في حضرة أمير صغير يحمل لقبا طويلا لا تتسع له خانة الاسم.