تركيا وإيران.. والصراع بين السنة والشيعة!

TT

كان الاتفاق للحديث عن مصر، لكن كثرة المجازر في سوريا زادت من قرع طبول الحرب، فهل ستقع الحرب؟

يقول محدثي الأميركي العربي الأصل: ستوجه ضربة إلى سوريا إنما ستكون رمزية، لن يكون الهجوم شبيها بالذي وقع في العراق أو ليبيا، بل لإبلاغ النظام السوري بأن استعمال الأسلحة الكيماوية غير مسموح به. إنها مسؤولية أخلاقية بالنسبة إلى الغرب، كي لا يتهم لاحقا بأنه وقف عاجزا عند استعمال السلاح الكيماوي ضد شعب أعزل.

ينتقل محدثي إلى زاوية أخرى مما يجري في المنطقة يقول: ما نراه الآن هو صراع بين فريقين، فالدول التي تضم شيعة ستتعرض لحرب سنية – شيعية، ونرى هذا في سوريا وإلى حد ما في العراق ونوعا ما في لبنان. وإذا سقط نظام بشار الأسد فإن مسرح العمليات سيتوسع ويغوص لبنان والعراق في الحرب، فالدولتان تمدد طبيعي لمسرح العمليات السوري، ومن ثم يتوسع نطاق الحرب السنية – الشيعية أكثر لأن الإيرانيين لن يبقوا صامتين مع سقوط الأسد، سيتصرفون كالأسد الجريح، وسيعتبر حزب الله في لبنان هذا السقوط هزيمة كبرى، خصوصا أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله يعتبر الأمر مسألة شخصية.

يؤكد محدثي، أن النظام السوري سيسقط لا محالة وأن كان الأمر لن يكون سهلا، إنما سوريا لن تعود كما كانت، بل إنها أقرب إلى التقسيم «وهذا ليس له علاقة بالشرق أو بالغرب».

حسب رأيه، هناك دولتان قابلتان للتقسيم: سوريا والعراق، فالتعدد الإثني والعرقي فيهما يسبب مشكلات منذ سنوات بعيدة «لا أميركا ولا الغرب من اخترع الصراع السني - الشيعي».

يرى دولة كردية ستبرز في السنوات الخمس المقبلة، أما سوريا فالمناطق العلوية وجزء من دمشق ستنفصل عن المناطق الأخرى «تجري حاليا عمليات تهجير داخلي». ببساطة لا يرى التقسيم بالأمر المستحيل «إذا نظرنا الآن إلى الخريطة السورية نراها شبه مقسمة، ولا أعتقد أن الشعب السوري على استعداد لأن يعود إلى شبه دولة موحدة كل طرف فيها يهدد الآخر، سالت دماء كثيرة».

يستطرد: أما الدول التي لا شيعة فيها فإن الحرب الآتية إليها ستكون سنية – سنية، بمعنى أن هناك السني الذي يمثله الاعتدال وعامة الشعب، وهناك السني المتطرف الجهادي، سواء الناشط في العمل السياسي مثل «الإخوان المسلمين»، أو الأقل اهتماما بالعمل السياسي الآني وناشط جدا في عملية سيطرة الدين على الدولة مثل الحركات السلفية المتمثلة بالدعوية أو الجهادية. وما يحصل في مصر الآن هو من هذا النوع، أي حرب سنية – سنية، وسوف نرى أي نوع من الإسلام سينتصر هناك «الحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط تسير من سيئ إلى أسوأ». أسأله: وما دور أميركا في كل هذه الفوضى؟ يأتي جوابه، بأنه يذهب كثيرا إلى مصر، ويسمع الاتهامات بأن أميركا أتت بـ«الإخوان»، ويقول إذا أردت معرفة من أتى بـ«الإخوان» تابعي رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، يلفتني إلى أن الأب الروحي لأردوغان، نجم الدين أربكان كان أول ممثل لـ«الإخوان» يتولى مقاليد الحكم في تركيا وفشل فشلا ذريعا. بقي في الحكم مدة سنة واحدة، وأطاح به الجيش في 30 يونيو (حزيران) 1996 أي نفس اليوم، مع اختلاف السنة، الذي أطاح الشعب المصري والجيش بمحمد مرسي الذي ظل في الحكم هو الآخر مدة سنة.

يوم السبت الماضي (24 أغسطس/ آب) نشر والتر ميد في الـ«وول ستريت جورنال» مقالا عن استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى التي فشلت، وكانت تنص على أن تعمل الولايات المتحدة مع المجموعات الإسلامية المعتدلة مثل حزب العدالة والتنمية (أردوغان) و«الإخوان المسلمين» في مصر، كي يتحول الشرق الأوسط إلى «واحة من الديمقراطية»، وهكذا تصيب واشنطن ثلاثة عصافير بحجر واحد: تتحالف هذه الأحزاب، وتقلص الفجوة بين المسلمين والولايات المتحدة، تعزل المتشددين والمتطرفين («القاعدة» والسلفيين الجهاديين) ثم تساعد أميركا هذه الأنظمة كي تزدهر اقتصاديا وتدعم الديمقراطية.

يقول محدثي: أعرف كل هذا الكلام، لكن هناك فرقا بين الاستراتيجية الكبرى التي تضعيها، والاستراتيجية الكبرى التي هي المخرج الطبيعي للأحداث ويستطيع أحدهم أن يبيعك إياها وتكوني على استعداد لتقبلها.

أردوغان كان الشخص الذي باع هذه الفكرة للأميركيين. هناك تسونامي سياسي يتمثل في الإسلام السياسي الذي يكتسح المنطقة، وهو قوة يجب أن يحسب لها حساب. الأكثر تنظيما كانوا «الإخوان المسلمين» وراءهم 85 سنة من العمل لم يعتمدوا العنف، وجاء أردوغان ليقول للأميركيين أنا منهم، أنا حزبي وانظروا كيف ازدهرت تركيا خلال فترة حكمي، وبالتالي فإن أفضل طريقة لحماية المصالح الأميركية والغربية في المنطقة هي عبر التعامل مع مجموعة من الدول يحكمها نظام واحد. كان الشرط الأميركي بأن يأتي هؤلاء إلى الحكم بشكل شرعي أي عبر صناديق الاقتراع. هذا ما حصل فلماذا كان على واشنطن أن تعارض وصول «الإخوان» إلى السلطة في مصر «في المنطقة العربية تعارضون (الإخوان) لأنكم تعرفون تاريخهم، أميركا لا تحكم على الناس بهذه الطريقة».

أسأله: إذا لم تكن أميركا وراء هذا كله، فلماذا رد الفعل المجنون على سقوط «الإخوان» في مصر؟

يوضح: عندما أقول إنها لم تكن استراتيجية أميركا فهذا لا يعني أن أميركا لا تدعم طالما أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة. يعترف: هناك اختلاف بين نظرة أميركا إلى ما حصل في مصر ونظرة المصريين. الأول: على الرغم من أن مرسي انتخب ديمقراطيا وقبل الشعب بالنتيجة فإنه لم يحكم ديمقراطيا. الثاني: نزع مرسي الشرعية عن جميع الخطوات المبنية في نظام ديمقراطي التي تتيح للشعب الاعتراض على قرارات الرئيس.

خلال هذه الفترة، أي سنة من حكمه، لم يصدر أي بيان من واشنطن يعترف للشعب المصري بأن ما يمارسه مرسي غير ديمقراطي، ولا بد بالتالي من وضع خطوط حمراء. نقطة الخلاف الثانية بين أميركا والمصريين هي أن المصريين الذين يعرفون «الإخوان» جيدا شعروا بأنهم يحثون الخطى نحو التمكين. يقول: إن أميركا لا تفهم فكرة «التمكين» وغير مستعدة، لأن فكرة «التمكين» موجودة في كل الدول الغربية، فالرئيس باراك أوباما يأتي بكل وزرائه من الحزب الديمقراطي لـ«تمكين» الحزب وهذا حقه. بنظره، ارتكبت أميركا خطأين: لم تضع الفرامل على الخطوات التي أقدم عليها مرسي، فتوهم الناس أن كل ممارسات «الإخوان» مدعومة من واشنطن، والثاني أنه من الصعب على أميركا أن تفهم خطورة عملية «التمكين».

كان طلب واشنطن من المصريين إعطاء مرسي سنتين على الأقل من الوقت ثم يقومون بعصيان مدني. يقول محدثي: هناك مشكلتان مع هذا الاقتراح: الواقعية السياسية والاقتصاد. بالنسبة إلى الأولى لو «تمكن» مرسي لأقدم فعلا على إبعاد أعلى ستين لواء وفريقا في الجيش المصري ولزاد من عملية «تمكين» الإخوان عن طريق إضعاف المؤسسة الوحيدة الباقية في مصر، ثم يطيح بالوزراء ويسيطر على الحكومة، لو أعطي فرصة أطول ما كان ليضيعها. أما الاقتصاد فمع مرسي أو من دونه هو في مأزق وأعتقد أن هدف «الإخوان» الآن التركيز على تدمير الاقتصاد.

وعودة إلى أردوغان المتضايق لأن إخوان مصر ومرسي أساءوا التصرف فوضعوه في موقف محرج، لا بل كشفوه. إن فكرته المقتنع بها وروجها وباعها للغرب بدأت تنهار أمام عينيه. يقول محدثي: تركيا التي يحكمها «الإخوان» كانت «المثل المثالي» كي تستعيد تركيا نفوذها في العالمين العربي والإسلامي. بنظره، هناك دولتان في المنطقة تنظران إلى العرب نظرة ازدراء، وتعتبران أنهم مجرد رعية ورعايا. إنهما إيران وتركيا اللتان تقودان الصراع الحالي ما بين الشيعة والسنة!