عند الخروج من المستشفى.. ماذا نقول لمرضانا؟

TT

ثمة حقيقة بديهية بسيطة في الحياة مفادها أن ما تعتقد أنه صحيح ليس بالضرورة أن يكون كذلك ما لم تدعمه الشواهد والأدلة التي يتفق العقلاء على صحة الاستدلال بها، وهو ما يعني بكلمات أخرى العبارة المشهورة «التجربة خير برهان». وعلى سبيل المثال، يدخل المريض إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية، ويُقدم له الطاقم ما يعتقد أنه أفضل ما يُمكن لخدمة المريض، ويتم إخراج المريض من المستشفى كي يعود بأفضل حال ممكنة لممارسة أنشطة حياته اليومية. وحينها، يعتقد الطاقم الطبي أنه وضح للمريض ما الذي استدعى دخوله إلى المستشفى، وما الذي عليه فعله ليكون مساهما في العناية بنفسه بعد خروجه منها. ثم يتم تبادل الابتسامات والتحيات والتمنيات ويغادر المريض، والكل يشعر بالسعادة والرضا.

ولكن هل هذا «شيء حقيقي»؟ الباحثون من جامعة يال الأميركية بحثوا في الأمر، ووجدوا أن الصورة البراقة والجميلة هذه ليست بالضرورة هي حقيقية ما يجري مع المرضى. وقال الباحثون في دراستهم المنشورة ضمن عدد 19 أغسطس (آب) من مجلة «جاما - الطب الباطني» (JAMA Internal Medicine) الصادرة عن الجمعية الطبية الأميركية إن كبار السن الذين يعتقدون أنهم فهموا «كل شيء» مما أخبرهم به أطباؤهم عند خروجهم من المستشفى هم ليسوا بالفعل «فاهمين» كما ينبغي، وإن ثمة «فجوات عدة» في معلوماتهم التي يتذكرونها مما قيل لهم حول مرضهم وما الذي تمت معالجتهم به وما هي الإرشادات المنصوح به لإتمام العناية بأنفسهم بعد خروجهم من المستشفى.

وشمل البحث نحو 400 مريض أعمارهم تزيد على 65 سنة، ممن غادروا أحد المستشفيات الجامعية الكبيرة. وعلى الرغم من تأكيد 96 في المائة منهم أنهم يعلمون يقينا لماذا دخلوا إلى المستشفى، فإنه لم يتمكن سوى 60 في المائة منهم من وصف تشخيص مرضهم (diagnoses) الذي استدعى ذلك. وقال الباحثون «المرضى كانوا إيجابيين جدا في تأكيد معرفتهم، ولكن حينما سُئلوا عن الحقائق لم يتمكنوا من الإجابة».

وثمة جهود في كل المستشفيات في العالم للحد من اضطرار إدخال المرضى إلى المستشفيات بعيد خروجهم منها، وهو ما يبني على إفهام المريض عن مرضه وكيفية العناية بنفسه بعيد الخروج إلى المستشفى استكمالا لنجاح المعالجة داخله، وهي جهود مهمة للحد من تكرار معاناة المرضى وانتكاس حالاتهم الصحية وتهديد سلامة أرواحهم وتخفيف الأعباء المادية للرعاية الطبية على المستويات القومية وتقليل مستويات استهلاك وإرهاق الطواقم الطبية في المستشفيات وإعطاء الفرص الأفضل لمرضى آخرين كي يتلقوا الرعاية الطبية في المستشفيات. وعلى سبيل المثال تشير الإحصائيات الفيدرالية في الولايات المتحدة إلى أن الكُلفة الإضافية لتكرار عودة دخول المرضى إلى المستشفيات بُعيد الخروج منها تبلغ سنويا أكثر من 26 مليار دولار، وهو ما يُمكن الحد منه. ومن أهم استراتيجيات تخفيف هذه الأعباء العمل على إفهام المرضى كيفية استكمال المعالجة بُعيد مغادرة المستشفى.

وخلال الدراسة، أفاد معظم المرضى بأنهم تلقوا المعلومات اللازمة، إلا أن تلك اللغة المستخدمة لم يفهموها بسبب استخدام الأطباء على سبيل المثال عبارات طبية مثل «احتشاء عضلة القلب» (myocardial infarction) لوصف «النوبة القلبية» (heart attack)، إضافة إلى الكثير من المصطلحات الطبية الأخرى التي لا يُدرك معناها غير المتخصصين الطبيين، وهو ما جعل بالمحصلة أكثر من 35 في المائة من المرضى يُواجهون صعوبات في الإفادة بأسباب دخولهم إلى المستشفى.

كما أفاد أكثر من 50 في المائة بأنه تم إعداد مواعيد للمتابعة لهم بعد الخروج من المستشفى، بينما الحقيقة أن ذلك تم فقط لنحو 30 في المائة منهم. وأيضا أفاد فقط أقل من 30 في المائة من المرضى بأنهم تم إخبارهم قبل أكثر من يوم عن موعد احتمال خروجهم من المستشفى. وأكد أكثر من 70 في المائة منهم أنهم لم يُسألوا عن مدى حاجتهم لأي دعم بعيد الخروج من المستشفى. وهي كلها جوانب مهمة في إتقان وجودة العمل الطبي لخدمة المرضى بطريقة تقلل من احتمالات انتكاس الحالة الصحية للمريض واحتمالات اضطراره إلى العودة إلى أقسام الإسعاف بالمستشفيات وربما الاضطرار إلى عودة دخوله إلى المستشفى.

وكشهادة حية وواقعية، أكدت الدكتورة كارن رودس، مديرة مركز سياسات الرعاية والبحوث في قسم الإسعاف بمستشفى جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، أن هذه النتائج تتطابق مع شواهد الواقع الفعلي من ملاحظاتها خلال عملها بقسم الإسعاف. وأضافت «عملت في أقسام الإسعاف بعدة مستشفيات جامعية ولست متفاجئة على الإطلاق من هذه النتائج»، واقترحت ضرورة أن يتم تشكيل فريق للإعداد الأفضل لخروج المرضى من المستشفيات (patients discharge team)، مهمته العمل على جعل خروج المريض من المستشفى عملا متقنا ومفيدا للمرضى وللمستشفى. واعترفت بأنه من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك كتغيير لسلوكيات طبية ممارسة، لكنه من الممكن.

كما اقترح الباحثون مبدأ التأكد المباشر من فهم المرضى، عبر إعادة سؤالهم عن التعبير عما فهموا مما قاله لهم الأطباء، وذلك تطبيقا لحملة المؤسسة القومية الأميركية لسلامة المرضى (National Patient Safety Foundation) التي عنوانها «اسألني عن 3» (Ask Me 3 campaign)، وهي حملة تؤكد على ضرورة سؤال المريض لطبيبه ثلاثة أسئلة: ما هي مشكلتي الصحية الرئيسة، ما الذي يجب علي فعله، لماذا من المهم علي فعل ذلك؟

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]