ابتسامة البلتاجي

TT

وبالقبض على الدكتور محمد البلتاجي، النجم القيادي في جماعة الإخوان المصرية، يكون جهاز المباحث المصرية، أقدم جهاز مباحث على وجه الأرض، قد استكمل حلقاته واسترد عافيته وهو ما يتضح من تلك الضربات السريعة التي وجهها إلى قيادات الجماعة الهاربة والتي تثبت أنه عاد إلى السيطرة على مصادر معلوماته في طول الوادي وعرضه. وأنه قادر على جمع هذه المعلومات ثم غربلتها لمعرفة الصحيح منها، ثم التأكد من صحتها، ثم التحرك بثقة وسرعة لإلقاء القبض على الهدف. وحادث القبض الأخير جرى في قرية ترسا التابعة لمركز أبو النمرس، محافظة الجيزة. في بيت منعزل بين الزراعات يملكه أحد أعضاء الجماعة، لم يكن البلتاجي وحده، كان معه ثلاثة من قيادات الجماعة، أحدهم كان وزيرا في النظام السابق. وبدراسة مسرح الأحداث الذي جرت فيه عملية القبض، نكتشف أن الدكتور البلتاجي ومجموعته، اختاروا المكان الوحيد على وجه الأرض الذي يعطي الفرصة لرجال المباحث للقبض عليهم بشكل مؤكد. منزل يمتلكه عضو في الجماعة، فجأة ينزل عليه ضيوف لا أحد يعرفهم، بالتأكيد كل أهالي قرية ترسا والقرى المحيطة فكروا في أن الضيوف هم من قيادات الجماعة المطاردين من رجال المباحث، من المستحيل أن يفكروا في أنهم تابعون لجهة أخرى، وأعتقد أن الأيام ستثبت أن مصادر المعلومات التي أبلغت هذه المعلومة للشرطة كانت بعدد سكان القرية نفسها، وربما مصادر أخرى تابعة للقرى المجاورة، وعلى الفور بدأت العجلة تدور في اتجاه التحري والتأكد من صحة المعلومة. بالتأكيد سُئل صاحب البيت الذي اختفى من المشهد، لم نعرف أنه قُبض عليه بتهمة إيواء هاربين من العدالة وهو ما يدفعنا للاستنتاج أو الظن (وبعضه إثم) بأنه كان صادقا في أقواله عندما سئل.

الدكتور البلتاجي كان رويبعا من روابع رابعة العدوية، وهو صاحب أسوأ جملة يقولها مصري، وهي تلك التي قال فيها: «في اللحظة التي يعود فيها محمد مرسي إلى الحكم، تتوقف كل العمليات في سيناء» وهي تلك العمليات التي تقوم فيها الجماعات الإرهابية بقتل الجنود والضباط المصريين. وهو ما فهم منه المصريون أن العمليات الإجرامية التي تحدث ضد جنودهم وضباطهم في سيناء، إنما تحدث بأوامر من جماعة الإخوان. ربما كان صادقا في مقولته وكانت هذه هي الحقيقة بالفعل، وربما كان يقوم بعملية تخويف بائسة للقيادة المصرية، هذا بالطبع ما سيهتم به المحقق.

يتبقى من المشهد، مشهد إلقاء القبض عليه، ابتسامته التي احتار الكثيرون في تفسيرها؛ ماذا كانت تعني هذه الابتسامة، الواقع أنها لم تكن تعبر عن اللحظة بل تبقت على ملامح وجهه من لحظات سابقة، هي نوع من الابتسامات المرتبطة بمواقف الهزيمة المفاجئة، هي نوع من تشنج عضلات الوجه يحدث عند الصدمات الكبيرة المفاجئة. لقد اكتشف الرجل فجأة أن كل ما يظنه عن قوة جماعته ليس إلا أوهاما، وأن الأقوى على أرض هذا الوادي اسمه الدولة وأنه لا أحد في مصر أقوى من الدولة، وخصوصا في فترة التحام تاريخية بالشعب المصري.