العراق.. يبتلع السوريين

TT

فعلت التجربة العراقية فعلها..

منذ اليوم الأول للثورة السورية حين كانت حراكا سلميا ومع صور سقوط تماثيل حافظ الأسد وبشار الأسد، استحضرت ذاكرة إسقاط طاغية العراق صدام حسين ومشهدية تحطيم تماثيله..

جرى تجاهل خبيث، عامد أحيانا وساذج في أحيان أخرى، لحقيقة أن السوريين حطموا التماثيل وخرجوا يسعون لرفع ظلامتهم المزمنة من دون تدخل أميركي. كم كان سهلا على الممانعين وحلفائهم أن يسخفوا الألم السوري ونسبته إلى خبث استخبارات من هنا ومال من هناك..

منع النظام السوري الإعلام من التغطية في سوريا ولا يزال.. لا بأس، اندفع السوريون والسوريات لتسجيل موتهم بأنفسهم.. لكن، لحظ السوريين العاثر كانت مرارة العراق أقوى لدى الرأي العام الغربي والعربي. ولم تدخر آلة دعاية النظام السوري وحلفائه الممانعين جهدا في اعتبار أن النظام يواجه مؤامرة خارجية فلاح الشك حيال كل ما يفدنا من صور الوجع السوري..

شهر سيف العراق في وجه السوريين منذ اليوم الأول لنزولهم للتظاهر..

كلما زاد موتهم تحصن العالم بتجربة العراق، مما حولنا جميعا إلى متفرجين صامتين حيال المقتلة التي لم تتوقف منذ سنتين ونصف. حتى حين نبكي ونتألم نفعل ذلك بصمت مخافة أن يظهر علينا ضحايا تجربة العراق ليذكرونا كيف فرحنا بإسقاط ظالمهم فتصيبنا الحيرة..

الرصاص والاعتقال والذبح والسكود والنابالم، والكيماوي بجرعات خفيفة بداية، كلها تفاعل معها الرأي العام الغربي والعربي أيضا من موقف العاجز، أو المتفاعل السلبي في أحسن الأحوال..

«تذكروا العراق».. «هل تريدون تكرار العراق».. تكرر استخدام هذا المنطق وتضاعف استخدامه على نحو غير مسبوق خلال الأيام الماضية. الجميع خائف من حرب مفترضة وكأن ما يجري منذ سنتين ونصف هو أقل من ذلك..

كل النقاشات والتحليلات بشأن الضربة ضد النظام السوري هي أسيرة العراق، مما جعل القتل اليومي في سوريا موتا ساقطا من الذاكرة..

العراق.. العراق.. العراق..

بات العراق صدى لأي جريمة وأي مجزرة..

لا يجهد أحد نفسه تقريبا لإقناع رأي عام غربي بأن سوريا ليست العراق وأن الثمن الذي يدفعه السوريون بسبب تجربة العراق باهظ وسيتجاوز الثمن العراقي إذا استمررنا في تجاهله..

وفي سياق استحضار العراق، تم تجاهل حقيقة أخرى أيضا تتمثل في الدور الذي لعبه النظام السوري في العراق نفسه وفي إفشال التجربة هناك، ذاك أن هذا الدور حاسم لجهة تزكيته ولجهة دفع العراق نحو الهاوية.

بهذا المعنى، فإن الخلاص من النظام في دمشق هو خلاص أيضا من دور رئيس في الأزمة في بغداد..

لقد استنفدت الضربة قبل حصولها، فالنظام السوري حضر ضحاياه مسبقا، والرئيس الأميركي باراك أوباما متردد، والانتظار صار ثقيلا ينوء تحته ضحايا مفترضون وضحايا قبلهم سقطوا بالكيماوي..

ثم إن الضربة وخلال انتظارها، امتصت الكثير من ظلامة السوريين، فضحايا الكيماوي صاروا ماضيا وتقدم عليهم ضحايا افتراضيون..

ابتلعت تجربة العراق ألم السوريين وهي ستبتلع المزيد إذا بقي هذا العجز قابضا علينا..

diana@ asharqalawsat.com