دافعوا عن أنفسكم

TT

حدثت الضربة الغادرة والمتوقعة في حي مدينة نصر؛ فُجرّت سيارة بأكثر من مائتي كيلوغرام من المتفجرات، كان الهدف هو وزير داخلية مصر، ولكنهم نجحوا فقط في قتل عدد من الجنود والضباط وإصابة عدد من المصريين من بينهم أطفال بإصابات خطيرة. ولأننا ننشغل دائما عقب الأحداث الكبرى، بما يجب أن نقوله وليس ما يجب أن نفعله، فقد حدث ما هو متوقع منا جميعا، أن نصرخ من فرط الغضب والألم في كافة برامجنا وأوراقنا واصفين الجناة بأنهم أوغاد، وهم أوغاد متوحشون بالفعل، ولكنى أرى أن ننشغل في هذه المرحلة بأمر آخر، هو أن نشرك المصريين بشكل عملي في الدفاع عن أنفسهم. المصريون فقط في الشارع وفي الحواري وفي القرى هم القادرون على كشف الجناة في هذا النوع من الجرائم. هناك سيارة توقفت في مكان ما، قد يكون ورشة أو جراجا أو حارة، وجرى تعبئتها بهذه المتفجرات، لا بد أن أحد أفراد الشعب المصري قد رآها، هذا هو بالضبط ما يجب أن نشرحه للمصريين ببساطة عبر كل وسائل الإعلام. وسنترك العيش لخبازه، على ضباط شرطة شبان من هؤلاء الذين عملوا لسنوات طويلة في مكافحة الجريمة، أن ينقلوا خبرتهم الأمنية إلى الناس من خلال كلمات واضحة بسيطة بعيدا عن العواطف ومواضيع الإنشاء. لست أتكلم عن برامج تستمر لساعات، بل أتكلم عن دقائق يجري توعية المصريين فيها، بالسلوك العملي للإرهابيين من خلال أحداث واقعية بالفعل. ليس المطلوب تحويل المصريين إلى مخبرين أو ضباط مباحث، أنا أطلب فقط أن يكتسبوا قدرا من الحس الأمني يساعدهم على أن يكونوا شركاء في الدفاع عن أنفسهم. على رجال الشرطة المحترفين أن يشرحوا لهم: متى يجب أن يشعروا بالشك في سلوك شخص أو فيما يقوم به من فعل.

في فترات سابقة بعيدة، سادت فكرة أن جهاز الأمن المصري يهمل الأمن الجنائي لحساب الأمن السياسي، طبعا الأمر انتهى بخسارة كليهما معا. غير أنه في ذلك الوقت ظهرت آراء صادقة تقول إن الاهتمام بالأمن السياسي بمعزل عن الأمن الجنائي ليس أكثر من خرافة، وإن كل واقعة جنائية إرهابية، لا بد أن تبدأ بحادث جنائي، فعندما يبلِّغ مواطن عن سرقة دراجة نارية مثلا، فقد يكون معنى ذلك أن إرهابيا سيستخدمها ليقتل شخصا بمدفع رشاش.

في الفترة الأخيرة كنت أشعر بالخطر عندما يضبط رجال الأمن شخصا يقوم بتهريب كمية من المتفجرات، ثم لا أعرف شيئا عما حدث بعد ذلك. مصدر إحساسي بالخطر في هذه الحالة هو أنه من السهل على الجاني أن يفلت من جريمته بالقول: أنا أبيعها لأصحاب المحاجر. ثم يأتي بعشرة شهود يشهدون على ما يقول.

لقد فقدنا أرواحا كثيرة، غير أننا لن نفقد روح مصر، فقط علينا أن نشرك الناس في الدفاع عن أنفسهم.