سمّعنا آخر نكتة!

TT

عندما يذهب المصري إلى أي مكان في العالم يلاحقه هذا الطلب «سمّعنا آخر نكتة»، حتى لو لم يكن يجيد إلقاء النكتة التي تحتاج إلى قدرة على ضبط إيقاع الأداء. في الحقيقة إن أغلب المصريين ليسوا «حريفة» في هذا المجال ولكنهم كما يقولون في المثل الشعبي «الصيت ولا الغنى».

من أشهر صناع النكتة نجوم المونولوج إسماعيل يسن وأحمد غانم وأحمد الحداد وبعدهم ظهر صاروخ النكتة حمادة سلطان الذي كان يؤدي بطريقة «الفيمتو ثانية» بمعدل 30 نكتة في الدقيقة، قبل أن يحيله زميله عزب شو إلى مادة ساخرة ولم يستطع من بعدها أن يلقي على المسرح أي نكتة.

في الوسط الفني أروع من يؤدي النكتة هو الكوميديان المنتصر بالله، شفاه الله، حتى أنهم أشاعوا بعد تنحي حسني مبارك أنه كان يذهب إليه مرة كل أسبوع لكي يسمعه أحدث النكت، إلا أن تلك الشائعة في الحقيقة لم يكن لها نصيب من الصحة، بل كما قال لي زميله الفنان أحمد بدير الذي طالته إشاعة مماثلة، إنهما لم يلتقيا بمبارك إلا مرة واحدة أثناء زيارة خاصة لمدينة الإنتاج الإعلامي ويومها طلب بدير أن يركب معه الطائرة، ثم قال له المنتصر مداعبا: ممكن واحد قبطي يركب الطائرة مع الرئيس. وضحك مبارك واصطحبهما معه ثم ودعهما عند باب القصر وعادا بعربات الرئاسة إلى بيوتهما، ومن بعدها لم يعرفا الطريق إلى قصر الرئيس.

من أشهر الظرفاء البابا شنودة الذي كان حاضر البديهة وعندما يلتقي مع شيخ الأزهر سيد طنطاوي يتبادلان النكت بأريحية، كان البابا لا يكف في الحقيقة عن السخرية حتى في العظة الدينية التي كان يلقيها بالكنيسة كل أسبوع.

تغير الزمن وبعد المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية ولم يعد العربي عندما يلتقي المصري يسأله عن آخر نكتة، صار السؤال الأكثر إلحاحا: من هو آخر المرشحين للاغتيال؟!

الحديث عن المخاطر الأمنية هو الذي يواجه المصريين أينما ولوا وجوههم، حتى من يعملون بالنقد الفني. كثيرا ما كان الناس يسألونني في الماضي عن رأيي في شريط عمرو دياب ومسلسل عادل إمام وفيلم أحمد حلمي وسر تراجع اللمبي محمد سعد، مثل هذه الأسئلة التي كانت تستحوذ على الاهتمام وتسرق الكاميرا لم يعد لها مكان، بل إن صفحات وبرامج الفن في «الميديا» كلها أخذت لونا سياسيا وصار الفنان يسألونه عن موقفه من ثورتي 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، وأصبح عدد لا بأس به من الفنانين واضحين ومباشرين في عدائهم لثورة 25 يناير وبعضهم اعتبرها مجرد بروفة وأن الثورة الحقيقية هي 30 يونيو.

سلاح النكتة في حقيقة الأمر لم يختف في مصر حتى في عز الأزمات، ومن المعروف مثلا أنه بعد 5 يونيو عام 1967 كما ذكر الكاتب الكبير أنيس منصور أنه والشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي كانا يؤلفان معا النكت التي تسخر من الجيش بعد الهزيمة، إلا أنهما، بعد أن احتج عبد الناصر، أقلعا عن التنكيت للحفاظ على الروح المعنوية للقوات المسلحة. وعبر فضاء التواصل الاجتماعي لم تختف بالطبع النكت، وآخر واحدة قرأتها على «فيس بوك» لجندي من سلاح الحدود أمسك فتاة حسناء قائلا: اصطدنا هذا الصاروخ! ولكن لا يزال في القلب غصة وفي الوجدان حزن، ولم يعد مطلوبا من المصري قبل أن يشد الرحال للسفر خارج الحدود أن يستعيد النكت التي يحفظها أو يستعيرها من الأصدقاء، صرنا جميعا نترحم على زمن كان عنوانه «سمّعنا آخر نكتة»!