باسم ونديم.. شكرا!

TT

السخرية هي أهم أدوات النقد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأكثرها انتشارا وفاعلية. عرفتها الشعوب بوسائل مختلفة عبر الأزمان. فمنذ أيام الإغريق وفي المسارح العامة المفتوحة كان هناك ما يعرف بفن المونولوج الساخر، وتطورت الأمور لتصل إلى المسرح والأغنية والسينما.

عربيا، برزت العديد من المواهب الاستثنائية في هذا المجال، فكانت هناك الأهزوجة السياسية التي برز فيها سيد درويش في مصر وأتى بعده الشيخ إمام مع المؤلف أحمد فؤاد نجم. وكانت قصائدهم وأغانيهم تهز الشارع سواء تحدثت عن الاستعمار أو الغلاء أو الفساد أو البطالة أو غيرها من المواضيع الحساسة والمهمة جدا.

واليوم مع أحداث الربيع العربي رأينا سلاح الإعلام الساخر يثبت فاعلية، وبقوة، على الساحة. فهناك برامج ناجحة جدا على قناة «يوتيوب» المعروفة تقدم مادة فعالة ومشاهدة بشكل هائل يتابعها الشباب وهي تقدم نقدا ساخرا لمواضيع اجتماعية واقتصادية معروفة، ولكن هناك نموذجان مهمان استطاعا الاستحواذ على الإعجاب الكبير لشريحة غير بسيطة من المتابعين. الأول كان برنامج «البرنامج» للطبيب المصري الذي تحول إلى إعلامي ناجح، باسم يوسف. والثاني هو الإعلامي اللبناني القدير نديم قطيش الذي يقدم برنامجه الناجح «DNA».

والبرنامجان يعتمدان على أسلوب تقديم الأخبار الرئيسة بأسلوب ساخر ونقدي يفند الخبر ويقلبه ويشرحه بأسلوب أقرب للكوميديا السوداء. وهما يقدمان جرعة هائلة من الجرأة الممزوجة باحترام المتلقي، لأن الخبر الذي يتعرض للانتقاد في معظم الأحيان يكون مليئا بالمواد الكافية التي تجعله لقمة سائغة لمن أراد أن يسخر منه.

قد قام باسم يوسف بعمل ذلك بامتياز كبير خلال فترة حكم محمد مرسي لمصر، وهي فترة قدم فيها الحكم مواد «كوميدية» لو قضى كتاب السيناريو والفكاهة أعمارا مديدة لما تمكنوا من مضاهاة ما قدم في سنة واحدة، وهو الأمر الذي يفسر اختفاء باسم يوسف عن الساحة، لأن المادة اليوم «غابت» ولم تعد بقوة ما كان من قبل.

ونديم قطيش، هو الإعلامي والصحافي المتمكن تقنيا ومهنيا جدا من مادته ويعد الموضوع بعناية الجراح وبدقة ومهارة شديدة، فلذلك يكون محتوى ما يقدم محترما ويبقى «الأسلوب» (الـDelivery)، وهو الذي كان مفاجأة كبيرة لمتابعيه لأن نجاحه كان باهرا وقدم فيه أداء جادا وساخرا في آن واحد بنبرات صوته وحركات وجهه ويديه وهو يعلق على «مقاومة» حزب الله في سوريا و«ممانعة» نظام بشار الأسد بحق شعبه في سوريا و«حركات» ميشيل عون وسليمان فرنجية ووئام وهاب والتعرض لمجموعة غير محدودة من «الشبيحة الإعلامية» مثل شريف شحادة وخالد العبود وطالب إبراهيم وناصر قنديل الذين سجلوا أسماءهم في سجلات التاريخ كفرقة كوميدية بامتياز.

باسم يوسف ونديم قطيش يقدمان مثالا ناجحا على قدرة الإعلام الساخر على التأثير القوي على الفرق السياسية المتناحرة وعلى الرأي العام عموما، وهو الذي تحول إلى أداة رئيسة لا يمكن الاستهانة بها في تشكيل هذا الرأي العام نفسه. مرحبا بعالم الإعلام الساخر فهو وجد ليبقى.. تعودوا عليه!