السوريون سيختارون العيش المشترك

TT

تلعب الحالة التاريخية للشعوب دورا كبيرا في حركتها وتطور العلاقة المركبة بين الأفراد فيما بينهم والأفراد والمجتمعات، وينظم هذه العلاقات عقد اجتماعي. هذا العقد الاجتماعي والحالة التاريخية للشعوب هما حاملا وجود، يميزان سوريا التي شهدت الحالة المدنية ومفهوم الدولة عبر جدلية تاريخية مررت كل الغزاة المعتدين من دون أن تكون هناك إمكانية فعلية للمساس بهذه الكتلة القادرة على الاحتواء والتلاقح الفكري، ولم تفقد خصوصيتها.

في خضم الحالة التي تعيشها البلاد في المرحلة الحالية، من خلال إصرار النظام على قمع الثورة السورية وإخمادها ولو كان تدمير سوريا هو الثمن ومحاولات الأطراف الإقليمية لي عنق السوريين وثورتهم، لم تظهر في سوريا الحالة الانشطارية الحادة التي لا عودة عنها. بل كانت دائما هناك مؤشرات إيجابية على أن زوال الظرف الاستثنائي القهري الذي يعيشه السوريون وحده يمكن أن يستعيد كثيرا من المشهد الجامع الأساسي.

إن الخيار التمزيقي خيار الأنظمة الاستبدادية لأنها تسيطر على البلد بمنطق قطاع الطرق والبلطجية. وبالتالي، تحرص على تفكيك اللحمة الشعبية والتلاعب بالمكونات الوطنية الموجودة لضمان بقائها القائم أصلا على غصب السلطة في سوريا. واستطرادا، هذه الأنظمة لا تقيم وجودها على مرتكز وطني أو فعل مؤسساتي ممنهج يضمن الوصول إلى فكرة المواطنة والتساوي أمام القانون.. لأن هذه الأخيرة تهدد الوجود القائم لهذا الشكل من الأنظمة أصلا. ومن هنا يصبح النظام القوة الدافعة والفاعلة في مشهد التحريض الطائفي، وكل ما عداه هي قوى منفعلة بالحدث وتبني ردود أفعالها تبعا لممارسات النظام. وهكذا، فالنظام ركّز على إلباس معركته مع الشعب لبوسا طائفيا يجعل منه طرفا ضمن معادلة أكبر، هي حالة الهروب إلى الأمام، التي لا يملك سواها ليتستر خلف شماعات هو أوجدها أمام الغرب والعالم.. وتتيح له ديمومة أكبر واستمرارية، واستخدام بعبع التطرف في وجه العالم.

إن العيش المشترك حالة أصيلة مزروعة في أذهان السوريين لم تتمكن من نزعها كل هذه الصراعات بدليل الحوارات الكثيرة التي نخوضها الآن، والتي تؤدي دائما لنتيجة حتمية بين الجميع بعموم الشعب هي التأكيد على استعادة القرار السوري ورفض الأجندات، ويمكن أن تشكل حالات نزوح العائلات من إثنيات وأطياف ومكونات مختلفة في مدن كثيرة في سوريا مثالا واقعيا على إمكانية استمرار العيش المشترك رغم كل التصعيد السياسي والعسكري والإعلامي. إذ لم يصل الشقاق الاجتماعي لحالة رفض مطلق، خصوصا بين الفئات التي توصف بالصامتة والتي تشكل أغلبية معتدلة في سوريا. ومن هذا المنطلق فإن الحالة السورية الجامعة تتطلب شروطا وعوامل أساسية لا بد من الوقوف عندها:

1 - نبذ الخطاب الطائفي والتأكيد على الحالة الوطنية وفكرة المواطنة واستعادة الشكل الوطني للصراع بين مستبد مجرم وزمرته الحاكمة والشعب المظلوم الذي ذُبح على يد النظام.

2 - أن تتوصل القوى السياسية الفاعلة والفعاليات الدينية والعشائرية وكل القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المهمة إلى القبول بصيغة سياسية تكفل وتضمن العيش المشترك والتعايش السلمي.

3 - رفض كل أشكال التطرف التي تؤدي لتفكيك المجتمع السوري.

4 - سوريا الجديدة هي سوريا الدولة وسيادة القانون وتحديد آليات الانتقال إلى الديمقراطية ونشر ثقافة وعي الديمقراطية.

5 - تهيئة الظروف لنهج العدالة الانتقالية وتفعيل آليات المصالحة الوطنية مباشرة لحظة سقوط النظام.

6 - تشكيل لجان للسلم الأهلي وتفعيل دورها وتمكينها داخل سوريا.

7 - رأب الصدع في المجتمع السوري بين المدينة والريف، والعمل الممنهج لاستعادة لحمة النسيج الوطني.

8 - الإدماج والمشاركة في كل مراحل البناء في سوريا بحيث يشترك كل أطياف ومكوّنات الشعب السوري في بناء وطنهم، الذي لا يحمل اسمه إلا عندما تصير المواطنة هي الصفة الحقيقية التي تجعل الجميع متساوين في العقد الاجتماعي الجديد.

9 - الجاهزية الكاملة لحظة سقوط النظام وبدء المرحلة الانتقالية للبدء بمشاريع إعادة الإعمار لما لها من أهمية على قبول الآخر نتيجة رفع جزء من المظلومية وهي الدمار.. خاصة أنه الجزء الوحيد الممكن استعادته.

وطبعا ضمن التفاصيل يمكن إدراج كل الآليات الممكنة لترميم الجراح، والوصول إلى إنتاج الصيغ الضامنة للعيش المشترك. ومن هنا فإن معظم الإشارات عن تفكيك سوريا بمجملها لا تعدو في أحسن الحالات أن تكون أفكارا لمن ليسوا أصحاب المبادرة والقدرة على تنفيذ هكذا أفكار. عموما، إن السوريين بمختلف مشاربهم مع أو ضد النظام .. يمين.. يسار.. مكوناته يختارون الوطن السوري، بل وينبذون كل ما هو دون ذلك. وأما أولئك المرتهنون لأجندة النظام من «شبّيحة» متفلتين من أي مسؤولية وطنية فهؤلاء هم أدوات لمرحلة اتخذت شعارا لها «الأسد أو نحرق البلد» ولا يعبرون بحال من لأحوال عن كنه وأهمية الشعب المتحضر.. الشعب السوري.

* كاتبة وناشطة سورية