الذبح.. الآن بتقنية «إتش دي»

TT

ليس من السهل إشاحة النظر عنها، فاللقطات تكاد لنقاوتها وحرفيتها أن تلامس الجمال ولكن في أفظع تجلياته.

لا ملامح بعيدة أو مشوشة لصور التقطتها أيد مرتجفة، ولا تقنية رديئة تشعرنا بتقزز مضاعف حيالها.

هذه المرة هي صور بتقنية HD العالية الدقة لعملية إعدام ذبحا نفذتها فصائل إسلامية متطرفة ونشرتها مجلة «تايم» الأميركية بعد أن تمكن مصور غربي محترف من تصويرها في سوريا.

بدت الصرخة المكتومة وانتفاضة عروق الشاب الناحل الصغير السن والممدد على الأرض والمقيد والممسك من رأسه والسكين تباشر انغراسها في عنقه والأيادي العديدة التي تطبق عليه أشبه باحتفالية من عصور قديمة. بدا الدم طازجا على سراويل وأحذية المنفذين الذين سبق أن ذبحوا قبل ساعات قليلة ثلاثة أشخاص قبل الشاب الذي ظهر في الصورة المنشورة.

الفظاعة موثقة بأكثر التقنيات التصويرية احترافا.

سبقت صور «تايم» بساعات قليلة صور مماثلة لمجلة «باري ماتش» الفرنسية وفيها عملية إعدام بقطع الرأس أيضا في سوريا. يبدو أن صور الذبح الرديئة المسربة لنا عبر «يوتيوب» والتي كانت رداءتها تخفف من وطأة عنفها باتت اليوم في صلب العمل الصحافي الاحترافي ولم يعد أحد يتردد في نشرها..

قبل 11 عاما جفل العالم من صور ذبح الرهينة الأميركي الصحافي «دانيال بيرل» على يد عناصر من «القاعدة» في باكستان. حينها كانت الصور رديئة ومعتمة لكنها كانت كافية لبث الرعب في نفس من شاهدها. تحاشى الجميع نشرها وتوزيعها لكنها تسربت عبر الإنترنت وعاش العالم الغربي في صدمة..

استساغ تنظيم القاعدة لعبة الذبح أمام الكاميرا، لم يعد التصوير حراما كما يشيع بعض المتشددين. وبدأ دفق صور قطع الرؤوس في أفغانستان والعراق والشيشان، لا أنسى صورا وزعتها طالبان لولد مراهق أجبر على قطع رأس شخص دانته الجماعة بأنه عميل.

تربع على نجومية عمليات الذبح المصور هذه إرهابي «القاعدة» الأشرس أبو مصعب الزرقاوي ما ساهم في تعميم صورة نمطية وتحويل المسلمين جميعا تقريبا في نظر الرأي العام الغربي إلى حفنة من قاطعي الرؤوس. وصلت هذه الفعلة باسم الإسلام إلى شوارع لندن قبل أشهر قليلة وبالصورة أيضا..

استمرت هذه الفظاعة تجد مريدين لها ما بين أفغانستان والعراق وحطت رحالها قبل أقل من عامين في سوريا فباتت كل عملية ذبح تعمي الأبصار عن آلاف من ضحايا النظام حتى باتت سيفا مشهرا في وجه المنتفضين السوريين ضد النظام. لا قنابل ولا براميل ولا حتى كيماوي يمكنه أن يصمد أمام هول وحشية الذبح المصورة..

المفارقة اليوم أن الإعلام الغربي الذي كان يتحاشى تلك الصور وينتقد بثها لم يعد يهرب منها. ها هو يوثقها ويعرضها في ذروة الجدل العالمي حول الضربة العسكرية ضد نظام بشار الأسد. مجلة «باري ماتش» عرضت صور قطع الرأس لتقول للرأي العام الغربي إن هذا ما ينتظرنا إذا تدخلنا في سوريا..

اليوم يواجه السوريون الذين يخوضون نضالا مرا ضد النظام وضد المتطرفين معادلة قاهرة.

قرابة المائة وخمسين ألفا من ضحايا النظام في مواجهة صورة ذبح واحدة بتقنية HD..

diana@ asharqalawsat.com