زحمة في السعودية

TT

المتجول في شوارع المدن السعودية الكبرى يهوله هذا العدد الكبير من السيارات، كما من البشر. يقول لي صديق «أشعر بأن الأرض تفور بالناس كل يوم، كل يوم تتدفق لنا دفعات جديدة من البشر، والضغط واضح على كل الموارد والمنافع العامة: الطرقات، المتنزهات، الخدمات.. فتحت مزاريب السماء بشرا، وتدفقت ينابيع الأرض ببني آدم، والتقى الزحام على أمر قد قدر». ومع عدم توافر شبكة نقل حديثة (مترو، باص، وغيرهما) تصبح السيارة وسيلة النقل الوحيدة. ومع رخص سعر الوقود تصير قيادة العربة متاحة للمؤهل وغيره. ثمة عربات تجول الشوارع حقها الحفظ في المتاحف. ما يسري على الرياض يسري على جدة، في الغرب، كما على الدمام في الشرق، حتى على المدن الأقل حجما.

الآن بدأنا طريق الحل، خصوصا مع شبكة النقل العظيمة التي خصصت لها الدولة ميزانية ضخمة (200 مليار ريال)، بدأت ملامح الرؤية والتنفيذ واضحة في شبكة النقل الحديثة في الرياض، التي أعلن عنها في مؤتمر صحافي دشنه مؤخرا أمير الرياض مع قيادات الشركات العالمية.

هذا رائع، وضع معه تطوير طرق الرياض الرئيسة، كما جدة أيضا. لا ريب أنه سيخفف الاختناق، ويصون بشرة الشوارع من الاستنزاف، ويجب أن يترافق مع تدشين الشبكة رفع الدعم عن سعر وقود السيارات، حتى يتغير سلوك الناس في استخدام النقل. لكن الأهم هو في فتح متنفسات لتكسير هذه التكتلات السكانية الضخمة، من خلال توزيع مراكز التنمية، وخلق نقاط جذب متخصصة في كل منطقة، نقاط جذب لا توجد في غيرها. إلى حين حصول هذا التحول الكبير، يجب وضع خطة كبرى للتعامل مع المقيمين في البلد. لست من مروجي التخويف من الآخر، فقد كان «الشوام» والمصريون والعراقيون، والفلسطينيون، من العرب، كما الهنود، وقبلهم الكوريون، شركاء في بناء البلد، بكل مجال. ولا يوجد بلد ينهض بمواطنيه فقط، فاستقطاب الكفاءات من كل العالم هو جزء من تنشيط التنمية، والصعود، كما تفعل الدول القوية في العالم.

على ذكر هذا، فقد كشف تقرير للأمم المتحدة أن السعودية تحتل المرتبة الرابعة عالميا في استضافة أكبر عدد من القوى العاملة الأجنبية بما يزيد على 9 ملايين شخص بعد أميركا الأولى وروسيا وألمانيا. المهم هو «ترتيب» وضع العمل والهجرة، للسعودي والمقيم. وهذا جرى جزء منه في حملة «تصحيح الأوضاع» التي قامت بها السلطات السعودية، وكانت النتيجة مذهلة خصوصا في معرفة حجم المقيمين غير النظاميين.. يقال إنهم 5 ملايين!

سوق العمل، وتخطيط المدن، وتغيير ثقافة المواطن السعودي، وتوزيع مراكز التكدس السكاني، وأيضا، وأشدد عليها، فتح نوافذ تهوية للناس من خلال الترفيه وجذب الطاقة الحركية إلى مسارب صحية، عوض التسكع في الشوارع، و«اختراع» سلوكيات مجنونة للتعبير عن فرط الطاقة.. أمر ضروري كضرورة الأمن الوطني نفسه! هذه تحديات شاخصة أمام الدولة في تدبير المجتمع السعودي.