منتدى آن أوانه!

TT

في عالم متطور ينمو بشكل واضح وصريح ويسير باتجاهات مثيرة ومفيدة، وتحولت فيه شبكة الإنترنت إلى أحد أهم عوامل صناعة هذا التغيير المذهل والمهم، تصور لنا الإحصائيات بخصوص نسبة المستخدمين لهذه الشبكة من إجمالي السكان صورة حزينة جدا مع الأسف الشديد. فقد أظهرت الأرقام في عام 2011 أن النسبة كانت لا تتجاوز 23.9 في المائة، وهي أقل بشكل ملحوظ من المعدل العالمي الذي يبلغ 33.2 في المائة.

لا يقتصر المشهد الحزين هذا على هذه الإحصائية فقط، ولكن فيما يتعلق بـ«توفر» المضمون باللغة العربية على شبكة الإنترنت فإن الأرقام تقول إنه من إجمالي المواقع الإلكترونية على الشبكة لا يوجد منها باللغة العربية سوى ما يعادل 0.15 في المائة، وهي نسبة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مزرية ومؤسفة جدا. ولا يحتاج المرء أن يكون عبقريا أو لديه شهادة دكتوراه من معهد ماساتشوستس للتقنية ليعرف أن العالم العربي الذي يمثل بمجمل سكانه ما نسبته 5 في المائة من إجمالي سكان العالم، وجوده على شبكة الإنترنت ضعيف وغير فعال أو مؤثر بأي حال من الأحوال. ويوضح أن «أمية الإنترنت» هي تحدٍّ تنموي جديد سيواجه المسؤولين والفاعلين والناشطين حتى يمكن للعالم العربي أن يكون له دور ملموس في الحراك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي على مستوى العالم بأسره.

وكما كان التحدي مهما، وخصوصا في ظل تركيبة سكانية طموحة وهي التي تؤيدها دراسات معروفة وتقول إن أكثر من ستين في المائة من سكان العالم العربي هم دون الخامسة والعشرين من العمر، وهم جميعا شريحة مستهدفة وطبيعية للخطط المستقبلية المتوقعة.

ويأتي الآن خبر منطقي ولافت، وهو استحداث المنتدى العربي لحوكمة الإنترنت الذي أطلق بشكل رسمي في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2012. ونظريا يضم الحكومات والهيئات ومقدمي الخدمات بشكل رئيسي، ويدعم هذه المبادرة بشكل لافت جهاز الأمم المتحدة نفسها، وكل ذلك كان نتاج إلهام وتأثير من المنتدى الدولي لحوكمة الإنترنت الذي ينعقد بشكل دوري سنوي كل شهر يناير.

التحدي الذي يواجه هذا المنتدى هو «الفوضى العارمة» الموجودة الآن على ساحات الإنترنت العربية، ضجيج مخيف، عالم افتراضي مليء بالتخوين والتكفير والتكذيب والتهديد والترويع واختلاق القصص والروايات، وكل هذا وسط حيرة وضعف وتردد وخوف الحكومات من استحداث قوانين وأنظمة تحدد خطر الترويع والفتن ونشر الأكاذيب وتهديد الناس وسلامتهم وحياتهم، وفضحهم وهتك أسرارهم، وإلى غير ذلك من الفكر الإجرامي المنظم والمدعوم بقوة تقنيا.

أكثر استخدامات العرب على شبكة الإنترنت تبدو من باب «الفضفضة» في مواقع الدردشة والإخباريات، ولكن التواجد صاحب القيمة المضافة يبدو، مع شديد الأسف، هزيلا جدا، فلا تواجد حقيقيا في مجال التجارة الإلكترونية، ولا في التعليم الإلكتروني، ولا الطب الإلكتروني، وغيرها من المجالات اللافتة والمؤثرة. وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين الحكومات والمواطنين، فالحكومة الإلكترونية لا تزال بعيدة المنال تماما، مما يجعل أبواب الروتين، وبالتالي الفساد، حاضرة وبقوة شديدة جدا مع الأسف الشديد.

الإنترنت في فنلندا وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وسنغافورة على سبيل المثال (وطبعا غيرها من البلاد) تحول إلى أحد أهم وسائل التنمية، وباتت القطاعات والمؤسسات والدول تشكل أجهزة مخصصة لها، فيكون رئيس قطاع الإنترنت أو حتى وزارة الإنترنت، وهو الانتقال الحقيقي والجاد من التعامل مع الإنترنت من فكرة أنه «لعبة» إلى «وسيلة وأداة» حضارية لترقية الشعوب وتمكينها. وقد يكون في تأسيس منتدى الحوكمة الجديد هذا فرصة لإحداث نقلة نوعية في السياسات والتشريعات في عالم الإنترنت باتت ليست فقط مطلوبة، ولكنها أساسية.