الاتفاق الكيماوي.. هل «يخلع» أنياب الأسد تمهيدا لاصطياده؟!

TT

من المفترض أن تغير تقارير الأمم المتحدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطتين الغربية والشرقية في ضواحي العاصمة السورية دمشق في الحادي والعشرين من أغسطس (آب) الماضي، مسار الأحداث التي ترتبت على الاتفاق الأميركي - الروسي المتعلق بتدمير هذه الأسلحة، وبخاصة أن هذه التقارير قد اتهمت، وإن بطريقة مواربة، نظام بشار الأسد بالمسؤولية الكاملة عن ذبح أكثر من ألف وستمائة من أبناء الشعب السوري، نحو ثلثهم من الأطفال الأبرياء، بغاز «السارين» المحرم دوليا.

فالقضية السورية بعد تقارير الأمم المتحدة هذه من المفترض أن تعود إلى مسارها الصحيح، وأن يكون الأساس، بالإضافة إلى نزع الأسلحة الكيماوية وتدميرها، وفقا لما جرى الاتفاق عليه بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هو المذابح التي بقي نظام بشار الأسد يرتكبها ضد شعب لم يعد شعبه، على مدى قرابة عامين ونصف العام، وحيث تشير أرقام الأمم المتحدة الرسمية إلى أن أعداد القتلى من أبناء هذا الشعب قد تجاوزت المائة ألف، وكل هذا بالإضافة إلى مئات الألوف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين، وبالإضافة أيضا إلى الملايين من المهجرين والمشردين الذين لجأوا إما إلى الدول المجاورة القريبة وإما إلى الدول البعيدة.

الكل كان بانتظار تقارير مفتشي الأمم المتحدة، التي تحمل نظام بشار الأسد مسؤولية جريمة فجر الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، والآن وقد أصبحت هذه التقارير في عهدة مجلس الأمن الدولي فإن المفترض أن يكون هناك مسار جديد إلى جانب مسار الاتفاق الأميركي - الروسي الآنف الذكر، وهذا المسار الجديد هو مسار استخدام الأسلحة الكيماوية وليس فقط حيازتها، وهو أيضا مسار كل هذه الفظائع والجرائم التي ارتكبها هذا النظام على مدى الفترة منذ انفجار الأزمة السورية في مارس (آذار) عام 2011 وحتى الآن.

إنه لم تعد هناك أي حجة لا للأميركيين ولا للأوروبيين ولا للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للاستمرار بعمليات التمييع التي أدخلهم الروس في متاهاتها، ومن ضمنها بالطبع مؤتمر «جنيف 1» ومؤتمر «جنيف 2» واتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية الأميركية - الروسية التي لا يمكن الاطمئنان إلى أنها ستسلم من مماطلات وألاعيب زمرة القتلة الحاكمة في دمشق، ولا من مناورات فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.

سوف يستمر الروس في إرباك مجلس الأمن الدولي ومنعه من اتخاذ أي قرار جدي بمستوى هذه الجريمة البشعة، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنها تشكل جريمة حرب لا بد من الرد عليها بعقوبات رادعة، وسيكون «فيتو» هؤلاء ومعهم الصين، وللأسف، بانتظار أي إجراء فعلي من الضروري أن يصدر عن هذه الهيئة الدولية، وهذا يعني أنه على باراك أوباما أن يتخلى عن تردده وعن ميوعة مواقفه السياسية إزاء هذا الامتحان الخطير لمكانة الولايات المتحدة ودورها المفترض في المعادلة الدولية، وأن يثبت أنه زعيم الدولة الأهم والأكبر والأعظم في العالم كله في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة، حيث باتت الزلازل المدمرة تضرب معظم دول الكرة الأرضية، وحيث إرهاب الأنظمة الديكتاتورية والتنظيمات المتطرفة غدا منتشرا في كل مكان.

من المفترض أن يستمر الضغط الدولي والأميركي لتطبيق اتفاق كيري - لافروف المتعلق بحصر وتدمير الأسلحة الكيماوية التي يملكها نظام بشار الأسد والتي ثبت وفقا لتقارير المفتشين الدوليين الآنفة الذكر أنه استخدمها ليس في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي فقط، وإنما قبل ذلك مرات عدة، فهذه مسألة في غاية الأهمية، وهي رغم كل ما قيل عنها وفيها من انتقادات، لا شك في أن بعضها محق وصحيح، فإنها إذا سلمت من عمليات المماطلات والتمييع التي برع فيها هذا النظام واشتهر بها الروس في تاريخهم الحديث والقديم، وطبقت تطبيقا دقيقا في الفترة الزمنية المحددة، فإنها ستكون بمثابة «تخليع» لأنياب الرئيس السوري الذي تمادى وتطاول في ارتكاب الجرائم أكثر من اللزوم تمهيدا للتخلص منه والقضاء عليه.

إنه غير صحيح على الإطلاق أن هذه الاتفاقية، أي الاتفاقية الأميركية - الروسية الأخيرة لنزع أسلحة الدمار الشامل الكيماوية التي تتحدث معلومات الأمم المتحدة عن أن نظام بشار الأسد يملك منها ألف طن، قد جاءت بمثابة انتصار لهذا النظام؛ فالمؤكد أنها إنْ هي طبقت تطبيقا دقيقا، وإنْ هي سلمت من المناورات والألاعيب، فإنها ستجعل هذه المجموعة الحاكمة في دمشق كحيوان مفترس غدا بلا أنياب ولا أظافر، وإنها ستحرم هذه المجموعة التي احترفت الذبح والقتل وارتكاب الجرائم المتكررة على مدى أربعين عاما وأكثر، مما بقيت تهدد به دول الجوار والمنطقة كلها في حال تعرضها للضربة العسكرية التي لوح بها باراك أوباما ولا يزال يلوح بها من قبيل الضغط لتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه بين وزير خارجيته ووزير خارجية فلاديمير بوتين.

إن المعروف أن هذا النظام، إنْ في عهد الوالد وإنْ في عهد «الولد»، قد اعتاد تحويل الهزائم إلى انتصارات، فكارثة يونيو (حزيران) عام 1967 التي يتحمل مسؤوليتها حافظ الأسد لأنه كان وزيرا للدفاع وكان الحاكم الفعلي في «القطر العربي السوري»، قد جرى تحويلها إلى انتصار مؤزر.. لماذا؟ لأن «النظام التقدمي والثوري» الذي كان هو المستهدف، وليس الجولان ولا الأرض السورية، قد بقي صامدا ولم يسقط!

ثم، والكل يذكر أن سحب قوات الردع السورية من لبنان في عام 2005، استجابة لإنذار أميركي شديد اللهجة، قد حوله الكذب الثوري إلى انتصار ما بعده ولا قبله انتصار، وهذا ينطبق على تدمير القاصفات الإسرائيلية لمشروع المفاعل النووي السوري في عام 2007، وعلى غارات إسرائيل الجوية المتكررة الفعلية والوهمية على قصر بشار الأسد وعلى قاعدة عين الصاحب التابعة لحركة حماس.. وأخيرا على جبل قاسيون، وعلى مستودعات الصواريخ الروسية على شواطئ اللاذقية.

كيف من الممكن أن يعد انتصارا تجريد دولة من كل أسلحتها التي تعد استراتيجية، والتي دأبت على إنكار امتلاكها، ودأبت أيضا على أنها لن تقبل بالتخلي عنها إلا إذا تخلت إسرائيل عن أسلحتها الكيماوية المماثلة وعن قنابلها النووية..؟ فهل يعقل هذا اللهم إلا إذا كان هناك اتفاق سري مع الروس على قتل الاتفاق الأميركي - الروسي بالألاعيب والمناورات وبالمماطلات والأكاذيب التي يشتهر بها نظام بشار الأسد، ويشتهر بها أيضا فلاديمير بوتين ومجموعته القليلة العدد الحاكمة؟!

إن ما غدا معروفا هو أن باراك أوباما قد هدد بـ«الضربة العسكرية» التي هدد بها وهو يعرف أنه إذا نفذ هذا التهديد قبل تجريد نظام بشار الأسد من أسلحته الكيماوية فإن هذه الأسلحة، وفقا للتقديرات الإسرائيلية، قد تقع في أيدي المجموعات الإرهابية، وقد تستخدمها هذه المجموعات ضد إسرائيل وضد بعض الدول المجاورة، وهذا على ما يبدو هو الذي دفع الرئيس الأميركي إلى هذا الاتفاق مع الروس الذي سيكون، إن لن يجري إفشاله بالألاعيب والمماطلات والمناورات، بمثابة تقليع لأنياب هذا «الأسد»!! ليسهل اصطياده والقضاء عليه وعلى نظامه. ستكون نهاية محتمة وقريبة لهذا النظام إن جرى تطبيق هذا الاتفاق الأميركي - الروسي من دون أي عوائق ولا مماطلات ولا ألاعيب وحسب الجداول الزمنية المتفق عليها المرفقة، فتجريد بشار الأسد من هذه الأسلحة الفتاكة وهو في هذه الأوضاع المزرية التي يعيشها، يجعله عاريا و«ربي كما خلقتني»، وسيمكن الشعب السوري من التخلص منه، وبخاصة إذا تطورت الأمور، وهي ستتطور حتما بعدما أثبتت تقارير المفتشين الدوليين أولا: أن الأسلحة الكيماوية استخدمت بالفعل وبكثافة في فجر الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، وثانيا: أن هذا النظام وليس غيره هو الذي استخدمها وعن سابق تصميم وإصرار وعلى مقصود وإجرام غير مسبوق.