«إخوان».. و«إخوان»

TT

حيرة حول موضوع مهم تتمثل في سؤال: لماذا هذا الموقف المصري الرسمي والإعلامي - بشكل عام - غير المتعاطف مع الثورة السورية، بل في بعض الأوقات، بعض المتحمسين المصريين لا يتأخرون عن الجهر بمعاداتها؟ ذلك موقف حيرني، وإن عرضناه على العقل، تبين سريعا خلل الموقف.

إن افترضنا أن الحكم المصري الحالي هو نتاج سلسلة من الأحداث الثورية، تبدأ بثورة «25 يناير (كانون الثاني)» 2011، وما بعدها «30 يونيو (حزيران)» 2013 وتوابعهما، فإن الافتراض العقلي يقول إنه معادٍ بالضرورة للاستبداد! وإن كان كذلك، فهو إذن مع المطالبين برفع الاستبداد، وهي مطالب الشعب السوري في الأساس! أليس الموقف المتردد أو الملتبس أو حتى المعادي يصح أن يكون مثار تساؤل؟ يرى البعض في محاولة تفكيك هذا الموضوع من أجل فهمه، أن أهل مصر أو قل نخبتها قد لدغوا من ممارسات «إخوان مصر» في السنة الماضية التي كادت تأخذهم إلى الشمولية السياسية بلا رجعة، ويرون بالتالي أن السيناريو الأكثر ترجيحا أن يكون الإخوان في سوريا هم القادمين إلى الحكم هناك، إذا ما سارت الأمور على ما يتصور كثيرون، وبالتالي، فإنهم يتخوفون من أن ينال إخوتهم في سوريا ما نالوه من مرارة في زمن حكم «الإخوان»، فهناك «إخوان»، وهنا «إخوان». من هنا يمكن تفسير التردد، بل والإعلام المضاد، إلى درجة أن بعض فصائل الثورة السورية التي كان ملاذها القاهرة قد غادرت إلى أماكن أخرى.

ذلك تفسير للظاهر من الأمور. تحت السطح، وليس بعيدا عنه، هناك رأي لدى قطاع من النخبة المصرية يقول إن «تمكين الإخوان» من حكم المنطقة هو «مشروع أميركي»، يضيف إليه آخرون أكثر تحمسا أنه «مشروع أميركي - إسرائيلي» ويسهب هذا البعض في سرد الأدلة، التي أراها شخصيا مصحوبة بخيال نشط، أكثر منها حقائق مقنعة. إلا أن السؤال يبقى: هل «إخوان سوريا» إذا افترضنا أنهم أكبر فصيل في المعارضة السورية، وهو افتراض يحتاج إلى دليل، هم كمثل «إخوان مصر»؟ أرى، ومعي بعض من تحدثت معهم من أهل المعرفة في المعارضة السورية، أن القياس غير نافذ، حيث إنهم ليسوا بالضرورة متطابقين في المنهج أو في الأهداف؛ فـ«إخوان سوريا» في الأيام الخوالي كانوا يتحلون بالبراغماتية والمرونة، عندما كان بالمستطاع أن يساهموا في العمل السياسي السوري، قبل استحواذ البعث على كل مقدرات سوريا، وكان باستطاعتهم أن يدخلوا في تحالف في العمل السياسي السوري أيام الأحزاب، حتى مع المختلفين معهم سياسيا وربما جذريا، إذا اقتضت الضرورة.. «إخوان سوريا» لا يهابون التعددية، كما هم «إخوان مصر»، ومؤسسون على خلفية تجار المدن، التي تتعامل مع جميع الشرائح، لأن نشاطها التجاري يتطلب ذلك. الفكرة الأساس أنه إن كان «إخوان سوريا» لهم التفكير العام نفسه لـ«الإخوان»، فإنهم ليسوا بالضرورة يشابهون «إخوان مصر»، أبناء الوادي المركزي (مصر) الذي فرضت عليهم الجغرافيا أن يكونوا من أهل المركز الشمولي ويمزجون بشكل غير واقعي خطاب السياسة بخطاب الدين ويختلف عن «مجتمع مركنتيلي» متنوع يعرف أهمية الحلول الوسطى في السياسة.

حقيقة الأمر أن الوقت أزف لتبيان الاختلافات البينة بين تنظيمات «الإخوان» التي تؤثر فيها الاختلافات الثقافية والمصلحية والمكانية، وقد أضاعتها الفكرة المتعجلة التي ذهبت إلى شيطنة «كل الإخوان» حيث لا ترى بينهم فارقا. الوقائع على الأرض أن هناك اختلافات، مثلهم مثل بقية خلق الله العرب، الذين لهم ثقافة في شق عصا الطاعة المركزية، متى ما لاحت لبعضهم فرصة سياسية مناسبة، حدث هذا حتى في مصر، لما خرج بعضهم من جلباب «الإخوان» لينضموا إلى عبد الناصر في أوج خلافه السياسي مع التنظيم الأم، وفي الكويت خرج بعضهم لينضم إلى الحكم، أيضا «إخوان تونس» ليسوا طبق الأصل من «إخوان مصر»، كما «إخوان الأردن» موالون لنظامه في أغلب الأحوال، وتناقضهم معه فرعي وليس جوهريا.. وعليّ أن أضيف أنه ربما أذكى «الإخوان» وأقدرهم على القراءة السياسية الفصيحة هو الذي يترك القارب في وقت الاضطراب أو يرى أن السير في ركاب القطيع غير مجد..

من هنا، فإن تموضع «إخوان سوريا» في المعارضة هو جزء وليس كلا، بما تنم عليه مرونتهم، وربما الحدث المصري زادهم قناعة أن المشاركة أفضل كثيرا من المغالبة.

الملف أوراقه مختلطة، فهناك اليوم في مصر ليس فقط من يقول بأن بشار الأسد هو هدف أميركي تجب مساندته على الأقل إعلاميا وعلى كثير من الحياء، ولكن يرى البعض أن المشروع الذي يستهدف سوريا هو مشروع أميركي، عندما ينتهي من هناك فسوف يتوجه إلى مصر، ربما هذا النوع من الإحساس ناتج عن سببين؛ الأول إلحاح الإدارة الأميركية وبعض صقور المعارضة الأميركية على عودة مصر إلى مسار ديمقراطي تتحقق فيه صور صناديق الانتخاب على ما تهوى، هذا من جانب يجعل البعض يقتنع بمساعدة أميركا لـ«إخوان مصر»، وربما يثير هذا الموقف بعض المصريين عاطفيا، من جانب آخر؛ موقف بعض وسائل الإعلام العربية النافذة التي تمول من دول، مضاد للتغيير الذي حدث في مصر، وإصرارها على توصيف ما حدث على أنه «انقلاب» مع ربط هذا بعلاقاتها الأميركية المتينة، يجعل الفضاء مهيأ لسريان نظرية مُحكمة من «نظريات المؤامرة». العاملان يجعلان البعض في مصر يحمل على الولايات المتحدة، ولا نفتقد أيضا في مكان في مصر من يحاول تليين الموقف الأميركي عن طريق الاتصال والشرح، ولكن ضمن حملته يستهين بمعاناة الشعب السوري أو يتجاوزها. بعض المتحمسين يرون أن الموقف المصري العام، السياسي والإعلامي، هو موقف يدافع عن «الكرامة الوطنية» ويريد أن يقول لمن يرغب في السماع أن مصر مستقلة، ويذهب هذا البعض لاستدعاء بعض الأشكال العاطفية لمرحلة الناصرية، بل سمعت تفسيرا آخر يقول إن عدم مساندة مصر الموقف الغربي ضد النظام السوري هو بسبب أن المعلن من الخطة الغربية ليست الإطاحة بالنظام؛ بل فقط عقابه!

أرى أن كل هذا المسار يستحسن مراجعته مصريا لعدد من الأسباب؛ أولها أن مصر مؤثرة ولها قوة تستطيع أن تستخدمها إيجابيا، ولا تربط أو قل تخلط بين الموقف الداخلي، الذي ثبت فيه لكل عاقل فشل تنظيم «الإخوان» في الحكم الحديث لأسباب خاصة بهم والصعوبات التي يخلقونها.. تخلطه مع الموقف الإقليمي والدولي الذي يرى أن الشقوة السورية قد طالت وأن عذاب السوريين وجب الوصول إلى نهايته، موقف مصر من ذلك بشكل إيجابي يقربها مما يتوق إليه كثيرون بأن يروا التطورات فيها إلى نهاية سعيدة، ولا أظن أن أهل الدراية والعقل في مصر لا يعرفون أهمية النظر بجدية إلى هذا الأمر.. من جهة أخرى، لمصر حلفاء في الإقليم وقفوا معها يرون أن التخلص من الاستبداد في سوريا هو إضافة استراتيجية وقوة لمحورهم مع مصر، فلا يجوز أن يخذلوا حلفاءهم تحت تأثير تصور عاطفي مؤقت. بقى القول إن صدور دستور حديث ومدني في مصر وإتمام خارطة الطريق هو هدف مهم، على ألا تشوه معالم هذا الطريق تحت تأثيرات عاطفية أو تصورات ليس لها علاقة بالواقع، بالمساندة السلبية لنظام الاستبداد لبشار.

آخر الكلام:

في كتاب باراك أوباما «جرأة الأمل» الذي وصف فيه صعوده السياسي الصعب، يقول: «إذا لم يتغير المسار، فسوف يصبح جيلنا أول جيل يترك خلفه أميركا وهي أكثر ضعفا».. يبدو أن تغيير المسار قد حقق الضعف الذي تنبأ به!!!