من الفائز؟

TT

مفيش كلام. وفي كل خصام، تخرج إسرائيل هي الفائزة. وهو ما حصل أخيرا في قضية سوريا. اتفق الروس والأميركان على الاكتفاء بقيام بشار الأسد بتسليم وإتلاف كل أسلحته الكيماوية التي استعملها ضد شعبه وكانت إسرائيل تتخوف من وجودها. مئات السوريين، أطفال ونساء وشيوخ، الذين قتلوا بها، ذهبت أرواحهم سدى ومن دون رد أو ثأر. ضحيات باردة. ومعهم ذهب ضحية باردة أيضا الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه. اتضح للجميع أن كلامه عن سوريا والخط الأحمر كله كلام اقرأ عليه السلام.

من الفائز؟ اسمع أو اقرأ الأخبار. ما إن وقع جون كيري وزير الخارجية الأميركي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، على الاتفاق، حتى خف كيري وركب الطائرة على عجل من جنيف إلى تل أبيب ليتعشى هناك ويبشر نتنياهو بهذا الإنجاز الكبير. سيجري التخلص كليا من خطر الأسلحة الكيماوية على إسرائيل والتي حركت جمهورها إلى التسابق في شراء الكمامات الواقية من الغازات السامة. وجوابا عن كل من يسأل ماذا سيفعلون بهذه الكمامات الآن؟ أقول ماكو مشكلة، يبيعونها للعرب والكرد. فهم الوحيدون الذين تعرضوا لهذه الأسلحة وماتوا بها بالألوف، ألف في سوريا وخمسة آلاف في كردستان العراق. وبهذه المناسبة أنصح منظمة الصليب الأحمر وأوكسفام والعون المسيحي وغيرها من المؤسسات الخيرية الغربية أن تسعى للتبرع بكمامات لبعض الشعوب العربية بدلا من القمح والثياب والأدوية. فما الفائدة من الخبز والبنسلين إذا كان المواطنون معرضين للغازات السامة من حكوماتهم؟

وبعد أن طمأن كيري إسرائيل على نتائج اتفاقيته مع الروس، رحل إلى باريس ولندن ليطمئن فرنسا وبريطانيا، كدولتين ثانويتين على الهامش، بما فعل في جنيف. وهو أمر مهم كذلك بالنسبة لهما، ليستعدوا لبيع المزيد من هذه الأسلحة تعويضا عما صودر وأتلف منها.

هذا ما أقوله دائما. ففي كل مشكلة ومصيبة نوقع أنفسنا بها، تخرج إسرائيل هي الفائز الوحيد منها. أليس هذا ما حصل في العراق؟ العراقيون تمزق بلدهم. والأميركان خسروا هيبتهم ومات أربعة آلاف من شبابهم، والإنجليز فشلوا في تصدير ديمقراطيتهم، والدول الغربية الدائنة للعراق شطبت ديونها. الفائز الوحيد مما حصل في العراق هو إسرائيل. لقد تحطمت القدرات العسكرية لهذا البلد وزال خطره كدولة من دول المواجهة مع إسرائيل. فما من دولة عربية يخشاها الإسرائيليون سيكولوجيا كالعراق، بلد سنحاريب ونبوخذنصر.

نجاة حكومة بشار الأسد من الضربة التأديبية بادرة سيئة بالنسبة للسلام العالمي وأمن بني الإنسان ككل. إذا أفلت الأسد من العقاب، فما الذي سيمنع غيره من الحكومات المستبدة الطائشة والمنظمات الإرهابية العمياء من استعمال هذه الأسلحة ضد كل من يقف في طريقها، ولا سيما بعد أن أصبح الحصول على هذه الأسلحة أمرا متيسرا؟