ملاكمة كيماوية نووية في الجمعية العمومية!

TT

سيطرت تعقيدات الملف الكيماوي السوري وتحديات الملف النووي الإيراني على أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحولتها مسرحا للملاكمة الدبلوماسية بين أميركا وروسيا وخصوصا فيما يتصل بترجمة الاتفاق على تسليم الترسانة الكيماوية السورية وتدميرها.

وإذا كان الروس تعمدوا دفع الأميركيين إلى الزاوية من منطلق أن فلاديمير بوتين أنقذ باراك أوباما فعلا من مأزق التراجع عن التهديد بضربة عسكرية ضد سوريا، لم يكن قادرا على إقناع الكونغرس والأميركيين بها، فإن الإيرانيين يتعمدون بدورهم السعي إلى الالتفاف على العقوبات الدولية من دون تقديم تنازلات ملموسة وذات صدقية في الملف النووي، الذي يحتاج إلى وقت طويل ليتبين فعلا ما إذا كانوا يريدون التوصل إلى اتفاق معقول بصدده!

وهكذا عندما وقف باراك أوباما أمام الجمعية العامة مطالبا بقرار حازم يصدر عن مجلس الأمن، حول إزالة الترسانة الكيماوية السورية، مهددا بأن النظام السوري سيواجه عواقب في حال لم يلتزم بتعهداته، بدت معالم السخرية واضحة على وجه سيرغي لافروف، الذي انخرط بقوة في العمل لمنع صدور قرار تحت الفصل السابع، الذي يجيز استعمال القوة ضد سوريا إذا لم تلتزم بالاتفاق أو عاودت استعمال هذا السلاح ضد مواطنيها.

المثير أن أوباما الذي طالما كرر أن مصداقيته ومصداقية أميركا على المحك إذا لم تُسلم الترسانة السورية ثم وضع صدقية روسيا على المحك لأنها اقترحت المبادرة الكيماوية، انتقل الآن إلى الحديث عن مصداقية الأمم المتحدة حيال هذا الموضوع رغم أن المنظمة الدولية فقدت مصداقيتها منذ ثلاثة أعوام حيال سوريا، التي تُدمّر ويُقتل شعبها ويشرَّد بينما يواصل بوتين إقفال مجلس الأمن بالفيتو، فليس من المبالغة القول: إنه في ظل الخلاف الأميركي الروسي، تبدو الأمم المتحدة مثل بطة عرجاء ليس في وسعها تقديم الحلول فكيف بالحديث عن فرضها؟

إن قبول موسكو بأن تجري الإشارة إلى الفصل السابع في قرار مجلس الأمن بشأن الكيماوي السوري، هو حلقة جديدة في المناورة والمراوغة، وخصوصا عندما تشترط العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد قبل استعمال القوة ضد النظام إذا لم ينفذ الاتفاق، ذلك أنه في وسع الروس عندها استعمال الفيتو لمنع صدور هذا القرار!

وليس من المبالغة الافتراض أن الملف الكيماوي السوري بات أشبه بحقل من الرمال المتحركة، يتخبط فيه أوباما الذي وصفته «واشنطن بوست» بالرئيس الواهن والضعيف، فقد كان من المثير وقوعه في التناقض عندما قال إن «الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى القوة في الشرق الأوسط، لكنني لا أعتقد أن عملا عسكريا ينفذ من داخل سوريا أو من جانب قوى خارجية يمكنه أن يؤدي إلى سلام دائم»!

إن قصة الكيماوي السوري ستطول، وخصوصا مع إصرار موسكو على رفض استضافة الترسانة وتدميرها، بما يعني أنها ستحتاج إلى أكثر من عشر سنوات للخلاص منها، إذا بدأت عملية جادة لتدميرها في سوريا، والدليل أن عملية تدمير الأسلحة الكيماوية الليبية التي بدأت عام 2004 ستستمر إلى سنة 2017 لكي تكتمل!

رغم كل ما قيل في كواليس الأمم المتحدة عن الملف الكيماوي السوري، كان من المثير تماما أنه لا يتوقف أحد عند تصريحات بشار الأسد إلى التلفزيون الصيني، التي بدت بمثابة تبرئة مباشرة للمعارضة من كل الاتهامات الزائفة والبغيضة، التي قالت: إنها هي التي نفذت مذبحة الغوطتين، فقد قال: «إن الأسلحة الكيماوية في سوريا موجودة في مناطق ومواقع آمنة وهناك سيطرة كاملة عليها من جانب الجيش السوري... إن الأسلحة الكيماوية تخزّن دائما لدى أي دولة وعند أي جيش وفق شروط خاصة من أجل عدم العبث بها من قبل أي مجموعات تخريبية»، هكذا بالحرف، وهو ما يمكن أن يشكل تكذيبا مباشرا لبوتين ولافروف، اللذين يواصلان حتى اليوم فظاظة اتهام المعارضة بمذبحة الكيماوي، وتكذيب بعثة المفتشين الدوليين التي رصدت كتابة باللغة الروسية على شظايا الصواريخ الجانية، بما يجعل من موسكو مسؤولة معنويا عن مذبحة الغوطتين، ربما لهذا تعمّد أوباما في خطابه القول: إن الافتراض أن أي جهة أخرى غير النظام شنّت الهجوم على الغوطتين يشكل إهانة للمنطق الإنساني ولشرعية الأمم المتحدة.

وإذا كان تفسير المبادرة الروسية حول الكيماوي قد احتاج إلى كل هذه الخلافات، فما بالك بمؤتمر «جنيف - 2»، وخصوصا إذا تمسك أوباما بقوله، إن رئيسا قتل مواطنيه وسمم أطفالا بالغاز حتى الموت، لا يمكنه أن يكتسب مجددا الشرعية لقيادة بلاد منقسمة في شكل خطير.