كمن لم يصدق قال باراك أوباما: «لقد تحدثت لتوي منذ قليل مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وإننا مستعدون لحل شامل مع إيران». بدا الأمر أشبه بتهافت من «الشيطان الأكبر» على شعار «المرونة البطولية»، الذي كان علي خامنئي قد أعلن عنه عشية سفر روحاني إلى الأمم المتحدة حاملا تفويضا كاملا، بما أوحى أن سياسة «الانفتاح» تحظى بمباركة من المرشد.
بعد عودة روحاني إلى طهران اشتعلت موجة من الانتقادات الموجهة إليه لأنه رد على الاتصال الهاتفي مع أوباما، فلم يكتفِ قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري بالقول، كان عليه ألا يرد على الاتصال كما امتنع عن اللقاء مع أوباما، بل أضاف: «إذا لاحظنا أخطاء لدى المسؤولين فإن القوات الثورية ستوجه التحذير الضروري!».
المثير للسخرية أن التعليقات الإيرانية على الاتصال الذي بدا مقدمة لكسر 34 عاما من القطيعة والعداء، جاءت على شكل تقريع لأميركا، ليس من العسكريين الذين رأوا أنه «لا يمكن نسيان عدوان الولايات المتحدة عبر اتصال وابتسامة»، بل من وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي لم يتردد في القول لقناة «إيه بي سي» بعد الاتصال الهاتفي: «إن إيران مستعدة لمسامحة أميركا وإن كانت لا تستطيع أن تنسى عقودا من الارتياب بين الجانبين»!
المثير أكثر أنه رغم سبعة أعوام من المفاوضات العقيمة بين طهران ومجموعة 5+1 حول المسألة النووية، والتي ثبت أنها كانت بمثابة مراوغات لكسب الوقت، بدت التعليقات في طهران، وكأنها تريد أن تشتري رفع العقوبات مقابل حفنة من الكلمات المخملية، ففي حين دعا ظريف إلى رفع فوري للعقوبات قال جعفري إن الرد على النية الطيبة التي أظهرتها إيران في الأمم المتحدة يجب أن يرفع العقوبات ويحرر الأصول الإيرانية وأن يقبل بالبرنامج النووي الإيراني ويوقف العدوان الأميركي!
واضح أن مركزية القرار الإيراني عند خامنئي، فإذا ابتسم روحاني لأميركا ولوّح للغرب بالمخمل فبأمر من خامنئي، وإذا عبس الحرس الثوري في وجه روحاني وهدده بإصلاح أخطائه فبرغبة من خامنئي، وهكذا ليس من الواضح إذا كان أوباما يتابع هذه «الأكروبات السياسية» المتلاحقة والمتناقضة التي شهدناها منذ قرر النظام الإيراني أن يضع القناع الباسم على وجهه المقطب، فهندس على ما كان واضحا عملية إيصال روحاني إلى الرئاسة، تلبية لحاجات تتصل بالتخفيف من ضغوط الداخل على الإيرانيين الذين لم تتيبس الثورة الخضراء في عروقهم، وبتلبية ضرورات السعي لرفع العقوبات الخانقة التي تتهدد الوضع الاقتصادي.
كان مثيرا للسخرية أن يقول أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة إنه لا يريد تغيير النظام في إيران ما دفع خامنئي إلى الرد عليه بالقول: «لسنا قلقين من أنكم تريدون أو لا تريدون تغيير النظام، يوم كنتم تعملون لتغييره لم تتمكنوا ولن يكون في وسعكم الآن»، كان هذا كافيا للتذكير بمعارضة ضرب سوريا، لكن الحسابات الأميركية لا تقف عند هذه الحدود، والرغبة في الانفتاح على إيران لم تبدأ مع الرسائل بين روحاني وأوباما، الذي سبق أن مد يده إلى طهران بعد أشهر من ولايته الأولى عام 2008، والذي كرر الأمر في خطاب الولاية الثانية.
ومن الواضح أن العاجز عن ضرب نظام الأسد ليس في حاجة الآن إلى الحديث عن استعمال القوة مع النظام الإيراني، ثم إن سقوط المشروع الأميركي - الإخواني في المنطقة، أي انهيار الرهان على «شرق أوسط إخواني»، وبروز كتلة عربية قوية تجمع بين مصر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ربما فتح شهية الانفتاح الأميركي على إيران، إلى درجة أن أوباما لم يتردد في ملاحقة روحاني هاتفيا وهو في طريقه إلى المطار رغم أنه كان قد تملص من مقابلته، ورغم أن طهران المتهافتة للانفتاح على أميركا كانت تحذر من مصافحة يد «المجرم أوباما»، الذي يبدو أنه يستعجل كسب إيران كشريك مضارب في المنطقة، بما يساعد على ترسيخ مطواعية دائمة عند دول الإقليم التي تحتاج إلى ضمانات أميركية في مواجهة سياسات التدخل والتخريب الإيراني المتزايدة من أفغانستان إلى لبنان عبر دول الخليج!
كل ما قاله أوباما قبل يومين، إنه سيكون يقظا في المباحثات المقبلة مع إيران بشأن البرنامج النووي، محذرا من أن الخيار العسكري لا يزال مطروحا، ورغم أن هذا الكلام قد يشكل مسخرة أمام الكونغرس، لم يتردد ظريف في انتقاد «تقلبات أوباما وتنمره وقلة احترامه»، وكأنه قادر على مجاراة «الأكروبات السياسية» الإيرانية!