العلاقات الثقافية بين الإيرانيين والعرب

TT

وجهت إلي دعوة من مركز دبي الثقافي أخيرا، لإلقاء كلمة على العلاقة الثقافية بين إيران والعرب. وكان المركز مركزا ثقافيا بحق، بدءا من مبناه الفريد وأسلوب بنائه الذي يشعرك بالراحة والبهجة، في مناخ ثقافي.

الحقيقة أن السياسة في الوقت الراهن طغت على الثقافة. وبناء على الثقافة ينبغي أن نقبل الآخر، الذي ربما لا يفكر كما نفكر، نتيجة لاختلاف الآيديولوجيات والعادات. ربما نحن نعيش في كوكب أو دولة أو مدينة أو حتى عائلة، لكن هناك فجوة كبيرة بين الأجيال. والثقافة هي التي تشكل الجسر بين الأفراد، في الوقت الذي تهدمها السياسات والتطرف في كل الأشكال.

والأمثلة كثيرة على ذلك، فقد كان اليونانيون يعتقدون أنهم وحدهم يونانيون ومن سواهم برابرة، أي أفراد أميون ومن طبقات اجتماعية متدنية. أما العرب فيعتقدون أنهم هم العرب ومن سواهم عجم. واليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار ومن سواهم وثنيون.

انظر إلى الأسوار العالية في فلسطين، وكيف قسم الإسرائيليون الفلسطينيين، لكن الأسوار الحقيقية هي تلك التي بنيت في المعتقدات والعقول.

السؤال الأكثر الأهمية الذي يثار الآن هو هل يمكننا التعايش معا؟ يقترح سارتر الفيلسوف الوجودي الكبير ومؤلف كتاب «الوجود والعدم» تعريفا خاصا لمعنى الإنسان. ويستخدم الوجودية لوصف المعنى الحقيقي للإنسان.

يعالج سارتر في وجود الآخرين الجانب المعرفي لعلاقة الذات بالآخر. وقد أثنى سارتر بشدة على هاسرل وهيغل وهيدغر لمحاولته فهم العلاقة بين الذات والآخر بهذه الصورة، وهو في هذا الإطار يسير على خطى أسلافه. وبعبارة أخرى، إننا من دون الآخر ليس لنا وجود.

دعني أضرب لكم مثالا على ذلك، فاللغة الفارسية تمتزج باللغة العربية أكثر من أي لغة أخرى. فخمسون في المائة على الأقل من اللغة الفارسية عربية الأصل. وقد حاول رضا شاه، مؤسس سلالة بهلوي، ومعه مجموعة من العلمانيين والأكاديميين المعادين للإسلام، قبل الثورة الإيرانية، حذف الكلمات العربية من اللغة الفارسية، لكن النتيجة كانت مضحكة. فكانت بدائل الكلمات العربية التي أدخلوها مثيرة للسخرية ومضحكة حتى إن أحدا لم يأخذ عملهم على محمل الجد. وبعبارة أخرى، فإن ما يمتزج مع الثقافة لا يمكن فصله عن السياسة.

لم تتأثر الفارسية اللغة فقط باللغة العربية، بل كانت اللغة العربية لغة الدراسة في المعاهد الدينية الإيرانية في مدينة قم ومشهد وأصفهان. وقد كتب آية الله الطباطبائي، الفيلسوف الإيراني العظيم، ورجل الدين والمفسر، تفسيره «الميزان» باللغة العربية في 20 مجلدا. وكتب كتابه الذي يتحدث عن الفلسفة الإلهية «بداية الحكمة ونهاية الحكمة» بالعربية أيضا. كما كتب آية الله الخميني شرحه لكتاب «فصوص الحكم» لابن عربي باللغة العربية وهو في سن الثامنة والعشرين، والمثير للدهشة أن شرح الخميني لـ«الفصوص» لم يترجم إلى اللغة الفارسية حتى الوقت الراهن. وإلى جانب كتابه الفلسفي العظيم كتب صدر المتألهين شيرازي كتابه «الحكمة المتعالية»، الذي طبع في تسع مجلدات، باللغة العربية، والذي يعد مرجعا أكاديميا رئيسا للحوزات العلمية في قم والنجف.

أضف إلى ذلك استخدام ابن سينا الحكمة اليونانية والهندية والفارسية ونجح في إنشاء موسوعة طبية عظيمة، كانت باللغة العربية. وباستخدام ثلاثة توجهات للأفكار والتقاليد الفلسفية: الفلسفة اليونانية والفارسية والتصوف والفلسفة الإسلامية، أسس صدر المتألهين الشيرازي مدرسة جديدة للفكر في الفلسفة الإسلامية الإلهية، وسماها «الحكمة الإلهية»، وهذا يؤكد أن اللغة العربية، كموطن للأفكار، كانت ولا تزال اللغة الأكاديمية في الحوزات العلمية.

أعتقد أن ثراء اللغة الفارسية باللغة العربية، والأهم من ذلك إثراء الفكر الديني بالأفكار الإسلامية، كان تحولا كبيرا في التاريخ الثقافي الإيراني. فعندما نقارن إيران باليونان نستطيع أن نرى أنه قبل الإسلام لم يكن لدينا فلاسفة وشعراء ومفكرون مثل سقراط وأفلاطون وأفلوطين وهوميروس وغيرهم. لكن عصر الإسلام كان إيذانا بمولد العلم والأدب في إيران.

ومما يؤسف له أننا نواجه برنامجا منظما يهدف إلى خلق جو من العداء والكراهية والعنصرية بين الإيرانيين والعرب. إنني هنا لا أريد التركيز على دور السياسية وتأثيراتها السلبية على الثقافة، والذي يمكن أن نراه في حالات مثل صدام حسين، والدور الرئيس الذي لعبه في تشويه صورة إيران والإيرانيين كمجوس في الحرب. وأطلق على الحرب بين العراق وإيران الحرب بين العراق والمجوس.

أعتقد أن علينا أن نركز على الطموحات الثقافية وأن ننحي الأجندات والطموحات السياسية. ينبغي علينا أن نوجه اهتمامنا للأرضيات الثقافية والمشتركة لا السياسات والاختلافات. وقد قيل إن كرسي أندري مالروكس في رئاسة الوزراء كان على يمين الجنرال شارل ديغول.

وعندما سأل وزيرا الخارجية والداخلية ديغول عن السبب في وجود وزير الثقافة إلى يمينه، رد ديغول بالقول: «إنني أريد أن أنظر إلى السياسة والقضايا الأخرى بعين الثقافة».