مهمة تنتظر الولايات المتحدة

TT

لا شك أن هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة بشأن برنامج إيران النووي، منها أن القيادة الإيرانية لديها هدف محدد وهو الحصول على سلاح نووي، وأنه لو أتيحت الفرصة لإيران فسوف تنتج ذلك السلاح، وأن إحباط هذا الطموح المزعوم لن يتأتى إلا إذا استجابت جميع دول العالم لفكرة فرض العقوبات ووضع العوائق في طريق إيران.

هذه المعتقدات الخاطئة تشكل جزءا رئيسا في خطاب الولايات المتحدة عن إيران، وهو ما ينعكس بوضوح في الإشارات المغلوطة المتكررة عن «برنامج الأسلحة النووية». تلك الأخطاء نمط من التفكير تجاه إيران يدعم فكرة أن طهران سوف تقرر في يوم من الأيام أن تنتج قنبلة نووية.

تشير تقديرات المخابرات العامة الأميركية إلى أن إيران لم تتخذ حتى الآن قرارا في هذا الشأن، ومن المحتمل ألا تتخذ مثل ذلك القرار مستقبلا، لكن بعض الإيرانيين مهتمون بخيار السلاح النووي، وأن أنشطتهم النووية تشجعهم على الحفاظ على هذا الخيار، لكن هذا الخيار يعتمد بالأساس على طبيعة علاقتهم ببقية دول العالم، وبالأخص الولايات المتحدة. وبينما يستعدون للدخول في جولة جديدة من المباحثات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تلوح في الأفق فرصة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها للمضي قدما في علاقة جديدة مع إيران خالية من السلاح النووي، ليس فقط بفضل العوائق الفنية التي سوف يفرضونها، بل بفضل العلاقة التي سوف تقوم على فكرة أن الإيرانيين لن يسعوا لامتلاك السلاح النووي.

والسبب الرئيس الذي ربما يدفع إيران للسعي لامتلاك السلاح النووي هو توفير الردع ضد أي هجوم على أراضيها. وهذا السبب الرئيس الذي يجعل تهديد الضربات العسكرية يؤدي إلى نتائج عكسية غير المرجوة من امتلاك سلاح الردع. وهذا ما يجعل أيضا من المحتمل أن يتراجع سعي إيران لامتلاك قنبلة نووية إذا ما سعى الغرب لإقامة علاقة تجعل الإيرانيين يعتقدون أنهم من الممكن أن يعيشوا في سلام على المدى البعيد، كما تجعل احتمال شن ضربة عسكرية ضد إيران ينحسر أيضا.

والتركيز على فكرة «المراوغة» والقول بأن «صفقة رديئة أفضل من لا شيء» يتجاوز عوامل مثبطة كثيرة، أبرزها أن إيران سوف تضطر إلى النكوص في أي اتفاق مع مجموعة «5+1» التي تضم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، والتي كان لها الفضل في إقامة تلك العلاقة. والخداع الإيراني سوف يعني المزيد من المزايا السياسية للغرب، وبالأخص الولايات المتحدة التي جعلت من فرض العقوبات على إيران أمرا أسهل بكثير لسياسييها من محاولة رفع تلك العقوبات، وهذا ما سيدفع الإيرانيين إلى الرجوع إلى المأزق الاقتصادي الذي يريدون الخروج منه.

ونكوص إيران في أي اتفاق سوف يكون منافيا للتصريح الشهير للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي قال فيه إن «إنتاج وتخزين واستخدام» السلاح النووي محرم في الإسلام. وبالتالي فإن أي انتهاك صريح من جانب إيران من خلال سعيها لامتلاك السلاح النووي سوف يمثل إهانة كبيرة للمرشد الأعلى؛ لأن هذا سوف يعني تخلي إيران إلى الأبد عن برنامج تخصيب اليورانيوم كما يطالب المتشددون في الولايات المتحدة وإسرائيل بأسلوب غير واقعي.

سترتكب الولايات المتحدة وشركاؤها خطأ كبيرا إذا ما أصروا على موقفهم التفاوضي غير المرن القائم على الفكرة الخاطئة أنهم يمكنهم أن يجبروا إيران، التي تعكف على إنتاج أسلحة نووية، على التراجع عن تلك الخطوة. ولو أن إيران تريد أن تنتج قنبلة نووية لكان من المحتمل أن تكون قد انتهت من صنعها في الوقت الحالي، حيث إن البرنامج النووي يعود تاريخه إلى أيام الشاه.

وتبدو مسألة منع إيران من امتلاك السلاح النووي مستحيلة، سواء بالطرق الدبلوماسية أو القوة العسكرية أو أي وسائل أخرى. فهذه القضية مثلها مثل الكثير من الأشياء الأخرى في العلاقات الدولية التي تخضع لمبدأ توازن المخاطر النسبية. وهناك احتمال ضعيف أن تخاطر إيران بالتخلي عن اتفاق ينهي العقوبات المرهقة من أجل السعي لامتلاك أسلحة نووية، وهو السيناريو الذي يسيطر على مخاوف وسياسات الولايات المتحدة أكثر من رغبات الإيرانيين أنفسهم.

لكن الاحتمال الأخطر هو أن يقتل الموقف المتشدد غير المتوازن من جانب مجموعة «5+1»، الذي يعرض انفراجة ضئيلة فيما يخص العقوبات، بينما يطالب بتنازلات كبيرة من جانب إيران، الفرصة الأكبر طوال سنوات كثيرة لبناء علاقة أفضل مع طهران، كما أنه سيؤدي إلى خسارة المزيد من الرقابة على برنامج إيران النووي الذي سوف يكون متضمنا في أي اتفاق محتمل، بالإضافة إلى أن ذلك الموقف سوف يشعل رغبة الإيرانيين في إنتاج سلاح الردع النووي كأسلوب للتعامل سوف يرون أنه طريق للتخلص من العداء الغربي.

المهمة التي تنتظر الولايات المتحدة وشركاءها هي الدبلوماسية بكل ما تحمله من معنى، وهو اللجوء إلى المفاوضات ليس لكسر إرادة عدو، بل لإيجاد أرضية مشتركة كافية للتوصل لاتفاقيات سوف تسعى كل الأطراف للحفاظ عليها.

* بول بيلار، زميل غير مقيم لمركز جامعة جورج تاون للدراسات الأمنية ومعهد بروكينغز

* خدمة «واشنطن بوست»