لماذا قرعت أنقرة باب بكين؟

TT

تحذيرات القائد العام لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا فيليب بريدلاف قبل أيام حول ضرورة تخلي تركيا عن قرار اختيار شركة صينية لشراء منظومة صواريخ دفاعية بعيدة المدى تلتقي مع مواقف أميركية وأوروبية بهذا الخصوص تزعم أن خيارا تركيا بهذا الاتجاه سيتسبب بإحداث ثغرة عسكرية استراتيجية داخل الناتو سيكون من الصعب سدها في المستقبل.

ورغم أن أنقرة تقول إنها لم تعط قرارها النهائي بعد، وإنها دعت الشركات المتنافسة لمراجعة وتمديد عروضها حتى مطلع العام المقبل، فإن المناقصة التي فازت بها إحدى شركات التصنيع الحربي الصينية بعد منافسة مع شركات غربية وروسية حول تزويد تركيا بمنظومة صواريخ بعيدة المدى من نوع «إف دي 2000» أغضبت الإدارة الأميركية والكثير من حلفاء تركيا وأقلقت جيرانها، وتحديدا إيران التي سترى فيها محاولة تركية لقلب التوازنات وسياسات التسلح بين البلدين.

مسارعة بكين لإرسال هيئة عسكرية اقتصادية دبلوماسية رفيعة المستوى إلى أنقرة لإقناعها بعدم تغيير مواقفها وأنها ستلتزم بكل المطالب التركية تؤكد حاجتها إلى فرصة استراتيجية من هذا النوع لتوسيع رفعة علاقاتها مع تركيا أولا وللترويج لآخر إنجازات تكنولوجيتها الحربية في أسواق المنطقة ثانيا.

ومع أن واشنطن تزعم أن الخطوة مثيرة للحيرة والاستغراب كون الشركة الصينية التي جرى اختيارها متهمة بخرق قانون حظر انتشار الأسلحة مع كل من إيران وروسيا وكوريا الشمالية، فإن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يؤكد أن المناقصة كانت تنافسية وشفافة وجاءت وفقا للمعايير وأن أسباب الاختيار بينها العرض المغري الذي تقدمت به الشركة، فالسعر المطروح هو أقل بنحو مليار دولار وبتكنولوجيا أفضل، والأهم ربما هو إشراك تركيا في عملية التصنيع والإنتاج. وزير الصناعة التركي عصمت يلمز أوجز المسألة بقوله تركيا تريد أن تكون شريكا في التكنولوجيا والتصنيع، والصين تقدم لها هذه الفرصة وبالشروط التي نريدها.

الناطق باسم الخارجية الأميركية قال إن حكومة بلاده قلقة حيال هذا القرار الذي اتخذته دولة أطلسية، لكن أنقرة متمسكة بخطوتها هذه حتى النهاية كما يبدو. فهي مرتبطة مباشرة باستقلالية القرار الاستراتيجي ورفض تسليم سلة البيض للآخرين ومنح المؤسسة العسكرية القدرات اللازمة التي ستقدم لها فرصة حماية مصالحها بإطلاق القرار السياسي وعدم البقاء تحت رحمة الأطلسي والباتريوت كلما دق ناقوس الخطر على حدودها مع دول الجوار.

أنقرة تريد تنويع مصادر السلاح حتى ولو كانت البضاعة صينية. بعد توقيع الاتفاقية يبدأ الإنتاج خلال ستة أشهر وخلال 4 سنوات يكتمل التسليم. البعض يراهن على أن تركيا ستتراجع عن قرارها وأنها لن تغامر بالإقدام على خطوة تغضب الحلف الذي وقف إلى جانبها في أكثر من أزمة وأن الحجج التي تسوقها واشنطن لقطع الطريق على هذه الصفقة مقنعة ويتقدمها أن أنظمة الصواريخ الصينية تتعارض مع تقنيات الأطلسي، فهي ستحتاج إلى نظام راداري جديد، وأن هذا النظام لم يسبق وشارك في أي عمليات حربية مباشرة حتى الآن وأن استخدامه من البحر يتطلب شراء سفينة حربية بتصنيع صيني مناسب. لكن أنقرة ترد أنها لن ترضخ للضغوطات وأن الكثير من دول شرق أوروبا الملتحقة بالأطلسي تملك ترسانات تسلح روسية وصينية الصنع وعلى رأسها اليونان وأنه لا وجود لقاعدة أن السلاح يؤخذ من دول أطلسية فقط.

تركيا كما نفهم جاهزة لتحمل ثمن أي فاتورة سياسية وعسكرية بسبب خيارها هذا في حلف التحقت به قبل أكثر من 60 عاما.

تركيا تريد أن تتحول تدريجيا نحو سياسة تعدد الجوانب في تسلحها كما فعلت في استراتيجيتها الاقتصادية والتجارية في العقد الأخير. لكن المسألة الأخرى اللافتة والتي ستدفع الكثيرين للقلق والتحرك للرد هذه المرة هي أن أنقرة تريد توسيع رقعة علاقاتها التجارية مع الصين كما هو وضح وربما هذا ما أغضب واشنطن والكثير من العواصم الغربية وموسكو وطهران أيضا.

زيارة أردوغان الأخيرة إلى الصين وتحسن العلاقات بعد أزمة إقليم شينغيانغ والأقلية التركية المسلمة في الصين عام 2009 وتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي عام 2010 ثم تحرك تركيا لتسمية عام 2012 العام الصيني الذي قابلته الصين بالمثل هذا العام تعكس مدى الرغبة المشتركة لرفع أرقام التبادل التجاري بين البلدين التي تجاوزت 24 مليار دولار سنويا.

أنقرة تتحرك اليوم تحت شعار «اطلب الصواريخ ولو من الصين» فهل تكتمل هذه الصفقة؟

التقارب التركي - الصيني سيعقبه انفتاح استراتيجي تركي هندي بدأت معالمه تظهر إلى العلن في العامين الأخيرين، وهذا ربما هو سبب آخر يدفع الشريك الغربي للقلق إلى أن تنتقل مراكز صناعة القرارات الاقتصادية من جغرافيا إلى أخرى وتقود إلى بناء تحالفات جديدة يصعب قطع الطريق عليها.