أفغانستان من دون كرزاي

TT

الرجل الذي دعمته الولايات المتحدة حتى أصبح رئيس البلاد وتولى مقاليد الحكم لمدة تزيد على 11 سنة، يتسبب الآن، في وقت رحيله من منصبه، في حدوث مشاكل لمن سانده.. إنه حميد كرزاي رئيس أفغانستان.

ومع أن الفترة المتبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان تقل عن ستة أشهر، فليس لدى كرزاي، على الرغم من التأييد العام الجارف، الحماس الكافي لإبرام اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة بسهولة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن كرزاي الذي تمتع بالتأييد المطلق من الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، يجد نفسه فجأة في وضع صعب أمام إدارة أوباما. فخصومه يتهمونه بقيادة أكثر الإدارات فسادا على مستوى العالم، وأنه لم يفعل أي شيء لمواجهة هذا الأمر، ولا سيما أن التهم تطال أقارب متنفذين له في البلد.

ووفقا لدراسة حديثة صادرة عن الأمم المتحدة، فعلى الرغم من الجهود الدولية التي استمرت لسنوات للقضاء على ثقافة الأفيون في أفغانستان، سجلت زراعة وإنتاج الأفيون مستويات قياسية هذا العام، وتعثر تقدم برامج مكافحة الأفيون.

وفي هذا الصدد، فمن دون وجود القوات الأميركية، يمكن للأفغان فقط أن يبرهنوا على ما سيحدث لهم مع انعدام وجود حكومة مركزية قوية وعدم كفاية الجيش الوطني.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه العالم بأسره عن البرنامج النووي لإيران والتهديد الذي يمكن أن يسببه للأمن العالمي - إذا لم يثبت سلمية هذا البرنامج - تعد أفغانستان هي التهديد والإنذار النهائي للإرهاب العالمي في حال عدم اهتمام العالم بالانتخابات المقبلة.

وفي المقابل، أدى تصريح الرئيس كرزاي، الذي يزعم أنه يضع المصلحة الوطنية لبلاده على رأس الأولويات، بأنه لن يوقع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة ما لم يجر التعامل مع جميع القضايا والمصالح، إلى إثارة غضب الأميركيين الذين جن جنونهم وصاروا يشعرون أن الوقت بدأ ينفد بالنسبة لهم لضمان إبرام اتفاق مع الأفغان قبل إجراء الانتخابات.

وبعد مرور شهور من الصراع مع الأميركيين بشأن هذا الاتفاق، أعلن كرزاي أخيرا أنه سيترك اتخاذ هذا القرار من قبل العقلاء الأفغان بمجلس «اللويا جيرغا».

ويمكن تأسيس المجلس القبلي، الذي أسس مرتين منذ عام 2001، مرة أخرى بموجب توجيهات مباشرة من الرئيس.

ويرى كثيرون أنه في ظل وجود البرلمان، تكون المطالبة بتأسيس مجلس «اللويا جيرغا» غير دستورية، بل إن ذلك الطلب يتعارض مع الدستور في واقع الأمر.

والجدير بالذكر أن كرزاي وجه دعوة مباشرة إلى 2500 من العقلاء والأعضاء البارزين بالأقاليم وشيوخ القبائل الذين جاءوا إلى كابل لتشكيل «اللويا جيرغا» (المجلس الشعبي الكبير) من أجل الموافقة والتصديق على ما طلبه الرئيس كرزاي منهم.

وزعم الرئيس كرزاي، في يوم الافتتاح أول من أمس الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، على عكس ما قاله من قبل، أن «اللويا جيرغا» سيقدم له المشورة بخصوص إبرام الاتفاقية الأمنية مع الأميركيين، وستعرض قراراتهم على البرلمان للتوصل إلى الاتفاق النهائي!

وبشكل جوهري، فقد قذف كرزاي كرة أخرى في أرض غير صالحة للعب، متخذا خطوة في غير موضعها في ما يخص علاقته بالإدارة الأميركية. بيد أنه من الواضح وضوح السنا أن هذا الأمر كان جليا للأفغان المحبطين الذين يساورهم القلق بشأن القضية الأمنية بعد انسحاب القوات الأميركية، وكذلك بالنسبة للأميركيين الذين يرون كيف كان من السهل لكرزاي أن يوقع الاتفاقية الأمنية من دون إثارة كل هذه الضجة.

إذا كان من السهل للرئيس كرزاي أن يوقع تلك الاتفاقية، فلماذا يتلاعب مع الأميركيين؟ وما هي مبادرته الحقيقية لتأخير ذلك التوقيع، في حين أن أفغانستان مقبلة على الانتخابات الرئاسية قريبا في شهر أبريل (نيسان)؟

من المثير للانتباه أن نذكر أن ما قاله الرئيس كرزاي في المراسم الافتتاحية لمجلس «اللويا جيرغا» يوم الخميس كان أيضا أمرا آخر بعض الشيء.. فقد اشترط كرزاي شرطا جديدا في النقاط الإضافية لتوقيع الاتفاقية عندما قال «إذا وافق (اللويا جيرغا) على الاتفاقية وجرى تمريرها من خلال البرلمان، فلن تبرم إلا بعد إجراء الانتخابات، بحيث تجري انتخاباتنا بشكل جيد وجدير بالاحترام».

وجه كرزاي إنذارا أخيرا للأميركيين بأن يدعموه ويتحلوا بالدماثة واللطف في التعامل معه في حال رغبتهم في البقاء في أفغانستان بعد عام 2014.

ما يقوله ويصوره كرزاي يعد ضربا من ضروب استمرار وجود قوته ونفوذه حتى بعد إجراء الانتخابات في أفغانستان، وهو الأمر الذي يرغب في لفت انتباه الأميركيين إليه. من بين المرشحين الرئاسيين أخو كرزاي، قيوم كرزاي. وحسب بعض الجهات، فإن الرئيس يمهد الطريق لكي يحل أخوه محله، كما أن تمديد وقت التوقيع إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية يعد تحذيرا لخصومه والأميركيين الذين يعدون أنفسهم للتعامل مع أفغانستان من دون وجود كرزاي!

وفي هذا السياق، يشتمل الاتفاق على نقطتين أساسيتين، هما عدد القوات الأميركية التي ستبقى في أفغانستان لتدريب القوات الأفغانية ودعمها، بالإضافة إلى انخراط الأميركيين، في حالات محدودة، في عمليات محاربة الإرهاب.

وربما يكون ما يطلبه كرزاي هو انخراط الولايات المتحدة في عملية الانتخابات لمصلحة المرشح الذي يدعمه، لتوقيع الاتفاقية!