اتفاق كبير.. انتصار نسبي

TT

انتهى ماراثون جنيف الذي حبس الأنفاس، وأعلن وزراء خارجية البلدان الخمسة الأعضاء في مجموعة الـ«5+1» عن اتفاقهم. إن حضور هؤلاء الوزراء في فندق «كانديمندتال» في جنيف، كان إشارة إلى أن المفاوضات على وشك أن تؤدي إلى اتفاق. كذلك تشير الأخبار إلى أن هذه المجموعة قد اتفقت على 90 في المائة من الأمور، وتبقت 10 في المائة.

كان من المتوقع أن تتهيأ الأرضية لهذا الاتفاق، على الرغم من وجود توقعات بأن حل المشكلات سيحتاج إلى مفاوضات تستمر لستة أشهر أخرى، ولكن كبداية فإن الجو الإيجابي الجديد كان مناسبا من أجل الوصول إلى النتيجة اللازمة.

في اليوم السابق، كانت هناك أجواء جيدة ومناسبة تعمّ مفاوضات مجموعة الـ«5+1»، وكان مقدمة من أجل الوصول إلى نتيجة إيجابية تبعث الأمل. من المؤكد أن تغيير هذا الجو كان خطوة مهمة لا تؤدي إلى الاتفاق، ولكنها قد تؤدي إلى التفاهم.

في الجولة السابقة من المفاوضات، شهدنا وضع عراقيل وحواجز من قبل نتنياهو، وقد اتضح ذلك من خلال التصرفات الفرنسية في تلك المفاوضات، على الرغم من وجود مكتسبات جيدة لافتة للنظرة، ولكن في المرحلة الأخيرة تأجلت هذه الجولة بسبب وزير الخارجية الفرنسي، وفي هذه المفاوضات، بالنظر إلى المفاوضات التي تمت بين جون كيري وفابيوس لافروف، فإن هناك علامات على إيجاد أجواء مساعدة.

على كل حال، لقد بذلا جهودا من أجل أن يقنع أحدهما الآخر بالتخلي عن التشدد والنظرات قصيرة المدى. هذه الجهود كانت مهمة جدا من أجل الوصول إلى درجة من التفاهم من أجل تحقيق اتفاق.

من ناحية أخرى، أعلن أوباما عدة مرات أن التخصيب حق للإيرانيين، من أجل الأهداف السلمية. إن مجموعة هذه الأسباب والقرائن تبين الوصول إلى نوع من التفاهم والاتفاق في هذه الجولة من المفاوضات.

الاتفاق حصل ونحن في ضيق اقتصادي شديد. ومن ناحية أخرى، فإن اجتماع المجتمع الدولي وضعنا في ظروف خاصة، حيث إننا لو لم نخض المفاوضات الدبلوماسية، كنا سنشهد عواقب خاصة للبلاد. في هذا الحال جرى التوصل إلى اتفاق، ومنذ صباح اليوم شاهدنا كثيرا من ردود الفعل في داخل إيران وخارجها. إن هذا الاتفاق بمعزل عن نتائجه الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، يشير إلى أننا في بداية الطريق. وذلك لأن هذه النتائج سوف تؤثر على الاقتصاد قبل كل شيء، ومن ثم، وفي سياقها، سوف تظهر الآثار الاجتماعية. ولكن الأكثر تأثيرا من كل ذلك هو التأثيرات التي ستسببها هذه الاتفاقات للجو السياسي في البلاد. الخطط والبرامج التي حاول 18 مليون ناخب اختيارها من أجل تغيير الأوضاع السياسية القائمة في البلاد، وإيجاد انفتاح أكثر بالنسبة إلى ما مضى، وتهدئة الوضع الأمني في البلاد.. ذلك قد زرع آمالا، على الرغم من أنها لم تتحقق في المجال السياسي. ولكن بالنظر إلى الاتفاق الأولي فيما يتعلق بهذه المفاوضات التي أقيمت في جنيف، فمن المؤكد أنه سيكون لها انعكاسات إيجابية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وإلى حد ما السياسي أيضا.

وزير الخارجية الإيراني تحدث عن هذه المفاوضات بأداء مؤدب ودبلوماسي، وتكلم عن أجواء نصر للطرفين، وخلال هذه الأيام الأربعة، رأينا أن الأميركان حققوا فوزهم أيضا، وهو تحقيق الدبلوماسية. فعلى الرغم من قولهم عدة مرات إن جميع الخيارات مفتوحة، فإنهم أكدوا مرات كثيرة على الحوار الدبلوماسي.

لكن يجب أن ننتبه إلى تصرفات وأفعال المتشددين في الداخل والخارج. للأسف، المتشددون هم جناح يفكر مثل إسرائيل (المتشددين في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ الذين تكلموا خلال اليوم الثاني من المفاوضات عن تشديد الحصار). ولكن يجب أن يمشوا على خطوات الاتفاق الذي جرى، كي لا نخرج عن المسار الدبلوماسي. وكذلك المتشددون في الداخل، لأنهم لا يملكون نظرة عالمية، فإنهم يستمرون في ردود فعلهم وانتقاداتهم المتشددة. ولكن ردود الفعل هذه ترتبط بأداء المسؤولين رفيعي المستوى في النظام، والرسائل التي أُعلنت اليوم من قبل القيادة ورئاسة الجمهورية تعكس إعلان الرضا عن اللجنة الدبلوماسية الإيرانية.

يجب أن ننتبه أيضا إلى هذه الملاحظة، وهي أننا حاليا في حالة انتصار نسبي، وباستغلال الفرصة المتاحة، يجب أن نصل إلى حالة النصر القاطع. لا يزال الحصار الأساسي كما كان. يجب أن نرى المصير الذي ستؤول إليه الأرباح النفطية المحتجزة في الدول الآسيوية، مثل الصين، الهند، اليابان وكوريا الجنوبية.

في النهاية، يمكن القول إنه بالنظر إلى أن المفاوضات في جنيف وصلت إلى مرحلة الاتفاق، يجب أن نتفاءل جميعا بهذه المفاوضات، وأن نقود مسيرة الاتفاق خلال مدة الستة أشهر بدراية وكياسة، نحو النصر الكامل.

* أستاذ في العلاقات

والقوانين الدولية