نهج الصراحة في حديث الهيئات الطبية العالمية

TT

مع صدور الإرشادات الجديدة لرابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية للقلب حول معالجة الكولسترول، ومع تبني الإرشادات الجديدة نهجا منطقيا متشددا في معالجة ارتفاع الكولسترول كوسيلة للحماية من الإصابة بأمراض الشرايين القلبية أو تفاقم تداعياتها، ظهرت ملاحظات عدة على هذا النهج الذي يستلزم تطبيقه توسيع نطاق معالجة المزيد من ملايين الأشخاص وإنفاق المزيد من الأموال على مستوى الأمم لحماية عموم الناس من انتشار الإصابات بأمراض القلب.

الإرشادات الجديدة بررت هذا النهج المتشدد في خفض الكولسترول باعتبار أن الأدلة العلمية تشير إلى أن خفض الكولسترول وسيلة حماية لتقليل الإصابة بأمراض الشرايين. وإحدى أهم وسائل تحقيق هذا الخفض هو العلاج الدوائي، وإحدى أهم فئات الأدوية التي أثبتت قدرتها على خفض الكولسترول هي أدوية ستاتين التي تتوفر منها أنواع متعددة من إنتاج شركات دواء مختلفة.

والإشكالية هي في أمراض القلب نفسها، لأنها لا تزال حتى اليوم القاتل رقم واحد في جميع دول العالم دون استثناء، من بين جميع أسباب الوفيات على مستوى العالم. وهناك عوامل تسمى «عوامل رفع خطورة» الإصابة بأمراض القلب، ومن بين أهمها ارتفاع الكولسترول.

رابطة القلب الأميركية تبنت الحديث بـ«صراحة» وواقعية مع عموم الناس في الولايات المتحدة، ومع متابعي موقعها الإلكتروني في شتى أنحاء العالم، حول موقفها الرسمي من هذا الأمر. وبدأت حديثها الصريح في مقدمة رسالتها القصيرة نسبيا بالقول: «عزيزتي أميركا، أكثر من نصفكم من المحتمل أن يعانوا من حدث صحي في القلب. واحد من بين كل ثلاثة أشخاص منكم سوف يموت بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. نحن لا نتشارك معكم معرفة هذه الإحصائيات الطبية كي نحذركم، بل لكي نساعدكم، نحن نريد أن تكون لديكم معرفة بكيفية تفادي أن يكون أحدكم مجرد أرقام في الإحصائيات». وأضافت الرسالة قائلة: «رابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية للقلب نشرتا حديثا إرشادات تقييم خطورة الإصابة بالأمراض القلبية ومعالجتها، وهي مستندة إلى مراجعات علمية متعمقة وتقدم وسيلة مهمة للأطباء كي يعتنوا بكم. ما الذي يعنيه هذا لأحدكم؟ الأطباء يتعلمون أكثر حول هذه الإرشادات الجديدة، وأنتم يمكنكم القيام بدوركم. تعرفوا على أرقام نسبة الكولسترول لديكم، أديروا عملية تخفيف الخطر عنكم، تحدثوا إلى طبيبكم عن ما هو الأفضل لكم. حصنوا أنفسكم بالمعرفة لكي تعيشوا في صحة أفضل وخالية من الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية». وختمت بالقول: «المخلص لكم: رابطة القلب الأميركية».

والملاحظ أن عبارات هذه الرسالة الصريحة، الصادرة عن أهم الهيئات الطبية العالمية المعنية بمعالجة أمراض القلب ومسبباتها، هو تبني نهج الحديث الصريح مع المرضى ومع عموم الأصحاء حول المعالجة والوقاية من الإصابة بأمراض القلب ومسبباتها. وحديث الصراحة هذا انتهج طريقة عرض الحقائق بالأرقام عن المرض الأوسع انتشارا والأعمق ضررا والأعلى في درجة تهديده لسلامة حياة الإنسان.

والواقع أن هناك ترددا في الأوساط الطبية بين نهجين في مستوى الصراحة عند الحديث مع المريض، وفي أقصى الطيف هناك نهج إخفاء المعلومة عن المريض من أجل عدم التسبب في نشوء حالة الخوف لديه، وفي الطرف الآخر من الطيف هناك نهج تبني الصراحة في ذكر الحقائق العلمية له كي يأخذ زمام المبادرة في حماية سلامة حياته.

إن «عدم تخويف المريض» مبدأ سليم حينما لا تكون ثمة جدوى من هذا التخويف الذي سوف يؤدي فقط إلى نشوء حالة من الإحباط التي تضعف من رغبة وقدرة المريض على مقاومة المرض واتباع تطبيق وسائل المعالجة. وتبني «الصراحة في ذكر الحقائق العلمية» هو مبدأ سليم أيضا حينما يكون الجهل هو العامل الأساس في انتشار الإصابات بأمراض مهمة ومؤثرة بشكل عميق على الصحة. وأمراض القلب والسكتة الدماغية والإصابة بالأمراض الفيروسية والميكروبية الأخرى المعدية هي أمثلة لحالات يجب فيها ضمان وصول المعلومة إلى المريض كي يتبع وسائل معالجته ولا يتهاون في اتباعها، كما يجب فيها ضمان وصول المعلومة إلى الأشخاص الأصحاء الذين هم أكثر عرضة للإصابة بها، والذين قد تتسبب سلوكيات حياتهم اليومية الخاطئة في إصابتهم بها.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]