البنات

TT

كان الخفير ينظف بندقيته فخرجت منها طلقة قتلت طفلته، يا للتعس المسكين سيئ الحظ! بعدها بعدة أعوام، كان ينظف بندقيته فخرجت منها طلقة قتلت ابنته الشابة الوحيدة. طبعا، سيكون توصيفك لما حدث هو الإهمال، وسؤالي هو: هل لو كانت طفلته الأولى طفلا، هل لو كان ابنه وليس ابنته، هل كان سينظف سلاحه في وجوده بنفس الدرجة من الإهمال؟

كل الأفعال الناتجة عن الإهمال، وراءها رغبة وإرادة في اللاوعي، أنت تهمل في عمل شيء لأنك تريد أن تهمله. أنت تنظف بندقيتك في وجود ابنتك الأولى والثانية بغير حرص أو حذر لأنك تريد أن تقتلهما.

ننتقل إلى حالة ثانية.. قروي وميكانيكي، لا نعرف طبيعة المشاكل بينهما، ما نعرفه هو أن القروي قرر أن ينتقم من الميكانيكي فخطف طفلته، ابنته هو وليس ابنة الميكانيكي، أخفاها في مكان فصرخت فقتلها، ثم ذهب ليبلغ الشرطة أن الميكانيكي خطف ابنته وقتلها، ليس هذا فقط، دس في سيارة الميكانيكي جزءا من ملابس الطفلة كدليل لا يقبل الشك على جريمته.

لم يكن وحده في نسج جريمته، كان معه شريك، على الأرجح هو الذي كشف الحكاية.. والسؤال هو: هل لو كانت ابنته ولدا، هل كان سيستخدمه كأداة في تنفيذ خطته الجهنمية؟ لا أعتقد.

حالة ثالثة: أمين شرطة قرر أن يقتل فتياته الثلاث بطريقة مبتكرة، ليس مهما دافعه لذلك، إذ لا يوجد على الأرض ما يبرر القتل، لذلك اشترى ثعبان كوبرا سامة، وتعلم من أحد الحواة كيفية التعامل بها ومعها، ثم جعلها تلدغ فتياته الثلاث فتحولوا في لحظات إلى جثث هامدة.. هل لو كانت هاته البنات صبيانا، هل كان سيقتلهم؟ لا أعتقد. لا أريد أن أستطرد في هذه الحكايات لكي لا تصاب بقرف يلازمك طول العمر.. أنا فقط أريد أن أقول لك إن تكرار وتواتر حالات معينة من الخلل العقلي في مجتمع ما، يشيران إلى حالة صاحبها، كما يتنبآن بما ستكون عليه حالة المجتمع ككل. كل الموجات التي تمر على المجتمعات، تبدأ أولا بإصابة أصحاب العقول الشائهة والنفوس المريضة ثم تأخذ طريقها لتكون لها، بالتدريج، السيادة على عقل المجتمع. أكاد أسمعك تصيح: من المستحيل الحكم على سلوك مجتمع بأكمله من خلال نماذج مريضة.

لا بأس.. أنت فقط تأبى الاعتراف بأننا نعيش في مجتمع يحتقر الأنثى، وبالمناسبة درجة تحضر أي مجتمع تقاس بدرجة احترامه للأنثى. وأنتهز هذه الفرصة لكي أقول لك: إن قتل الآخر لا بد أن يسبقه الإحساس باحتقاره. المؤلم أن بعض النساء صدقن ما يقوله الذكور لهن من أنهن حرام.. عورة لا بد من إخفائها عن أنظار البشر، شكلها عورة ووجهها عورة وصوتها عورة وأنها قطعة إكسسوار خاصة بالسرير والإنجاب.

نحن نعرف ونؤمن بأن الإسلام أعطى المرأة حقوقها وكفل لها الكرامة والكبرياء. نعم، الإسلام أعطاها كل ذلك، ولكن السؤال لكم أنتم كبشر، وليس للإسلام: هل أعطيتموها أنتم كل هذه الحقوق.. أم سرقتموها منها..؟