نساء «القاعدة» جدائل مزيفة

TT

في زحمة المستجدات على الساحة السياسية في هذه الآونة، يتكرر المشهد ويغيب الخبر ودلالاته ليجري استخدامه في إذكاء الصراعات والانقسامات السياسية، أكثر من تحليله ومعرفة الأسباب والمؤشرات التي أنتجها الخبر.

الخبر هذه المرة يتصل بنساء «القاعدة»، وهو ملف أقرب للبروباغندا والتوظيف الدعائي، أكثر من كونه مؤثرا فيما يخص ملف الإرهاب ومشاركة مقاتلين من خارج سوريا.

بدأت القصة عندما أعلنت امرأة سعودية «نفيرها» إلى أرض الشام للالتحاق بصفوف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

هذا الخبر لا جديد فيه، فقائمة النساء اللواتي التحقن بأسرهن في مناطق التوتر ليست جديدة، وربما لو عدنا إلى نظريات تفسير هذا النوع من الالتحاق الأسري، لرأينا الكثير من الطروحات والكتب والأبحاث التي تحاول قراءة الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة منذ بزوغها في بيوت الاستضافة في أفغانستان، وحتى الوضع العبثي في سوريا الذي يزداد تعقيدا بسبب تعنت النظام الدموي، وتراخي المجتمع الدولي، وليس بسبب قوة وصلابة المقاتلين المنتمين لتيار «القاعدة»، فالخلافات بين التنظيمات المتعددة والمتباينة في أهدافها وغاياتها وطريقة أدائها على الأرض يجعل من الصعب أن تعود معسكرات «القاعدة» لسابق عهدها، إلا إذا طال أمد الصراع هناك واستطاعت «القاعدة» وأخواتها اختراق النسيج الاجتماعي كبديل للمعارضة السورية.

المختلف في قصة «ندى» أنها اختارت «السيف» فهي عللت ذهابها بالرغبة في المشاركة وليس مجرد الالتحاق بزوجها الذي تختلف الأنباء حول وجوده هناك، كما أن سفرها وحدها فتح الباب على ذرائعية جماعات العنف المسلح، التي تبرر لنفسها ما تقاتل لتغييره في المجتمع وفق نظرتها الدينية المتطرفة.

ندى «أخت جليبيب» كما هو معرفها في «تويتر» تقول إنها التقت أخاها مؤخرا بعد أن التحق بـ«داعش»، لكن الأهم هو طريقة الحفاوة التي عبر عنها أعضاء التنظيم، والتي تؤكد أن ما ستفعله أخت جليبيب هو أن تتحول لورقة ضغط وأيقونة قاعدية يجري من خلالها «نعي» شباب الأمة ورجالها بأنهم لم يقوموا بواجبهم تجاه قضية سوريا، وتدرك «القاعدة» أن اللعب على تكنيك «إثارة النخوة» قد يعطي مفعوله لدى شرائح كثيرة من المجتمعات المحافظة، التي قد يؤثر فيها مثل هذا الاستخدام الذكوري لمشاركة المرأة أكثر من القناعة بالمشاركة ذاتها، إلا أن الانشقاقات بين صفوف الجماعات المسلحة هناك، قد انعكست على قضية ندى، حيث مال الجناح التقليدي المحافظ إلى رفض مشاركتها بحجة أن النفير بغير محرم لا يجوز.

الأكيد أن الخلاف قد انتقل إلى خارج السياق العنفي، فالجميع في «تويتر» الآن تحول إلى صاحب رأي سياسي، وكالعادة يُزجّ بالدولة والليبراليين والحقوقيين والمشايخ، باعتبار أن نفير «أخت جليبيب» هو حدث يستحق التذكير فيه، بفتنة المبتعثات بغير محرم أو تخاذل العلماء عن دعم سوريا في تأكيد أن «المرأة» هي أسهل وأكثر المفاتيح التي تخلق جدلا اجتماعيا، بغض النظر عن الدافع والحالة، وهو يحيلنا إلى فكرة العصاب المجتمعي تجاه المرأة من كل الأطراف.

«القاعدة» الآن تعيش فترة تأسيس لمرحلة جديدة، فمع كل ما يقال من خطورة الوضع الحالي لمناطق التوتر: سوريا وليبيا واليمن وسيناء مصر والصومال، إلا أن الأخطر هو وجود خطين متوازيين من العنف المسلح، الأكثر حضورا على الإعلام وشاشات التلفزة هو الإرهاب العابر للقارات عبر المقاتلين الأجانب، وهم بالمناسبة على عكس ما تكتبه الصحافة الموالية للنظام السوري لا يحظى السعوديون فيهم بقصب السبق، وإن كان أفراد قليلون كالعادة يحتلون مواقع قيادية بارزة لأسباب ذكرتها مرارا حول «سعودة» التطرف لأهداف مغرضة، لا تعبر عن قراءة الواقع بدقة.

الأهم من المقاتلين الطارئين على المكان هو ظهور جماعات مسلحة إسلامية النزعة، وليست صادرة عن «القاعدة» بدأت في التحول إلى تيار اجتماعي، بما تعنيه الكلمة من أسماء وقيادات وخطاب ومساحات شاسعة من الجغرافيا تساعد على بناء ما يشبه «الدولة» داخل الدولة، وهو ما يبدأ منذ زمن في التشكل في اليمن وسيناء والآن في ليبيا، فضلا عن اكتماله في شمال أفريقيا وقرنها، وهو ما يعني في حال استمرار الوضع التعايش مع فكرة هذا النسيج الاجتماعي المتطرف الذي يتعاظم دوره مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تضخمه وربما تهديده لفكرة الدولة ذاتها.

الأكيد أن المعارضات جميعها، المغرضين والغاضبين والحالمين، وحتى أولئك الذين يرتكبون حماقة الضغط على الأنظمة من خلال تأييد العنف المقوض للدولة ذاتها.. كل أولئك يؤسسون لثقافة «الموت» في مجتمعاتهم وهذه خطيئة تفوق أخطاء الدول مهما بلغت.