عرس السينما العربية في «دبي»!

TT

صرت أضبط مواعيدي عليه، أحدثكم عن مهرجان «دبي السينمائي الدولي» الذي افتتح مساء الجمعة الماضية. إنه المهرجان الخليجي الرائد الذي صار المنصة الرئيسة لانطلاق مهرجانات مماثلة، ومن بعده عايشنا «أبوظبي» و«الدوحة» وتتابعت أيضا «البيئة» و«أجيال» و«تروب فاست» وغيرها، ولا تزال هناك أنشطة سينمائية مقبلة. مثلا دولة الكويت تستعد في أبريل (نيسان) المقبل لإطلاق أول مهرجان سينمائي عالمي يحمل اسمها. دول الخليج صارت تنتقل من تظاهرة سينمائية إلى أخرى برشاقة ولياقة، وهو ما قد يراه البعض زحاما، ولكن من زاوية أخرى تجده ظاهرة صحية سوف تعلن عن تنافس حميد، وفي النهاية تفوز السينما العربية، لأن كل هذه المهرجانات تضع دائما في عنوانها الرئيس المبدع العربي، ثم إن عدد المهرجانات السينمائية في فرنسا يتجاوز 300 مهرجان، والمملكة المغربية تقيم قرابة 100 مهرجان، بينما مهرجانات الخليج السينمائية جميعها لم تصل إلى رقم 10.

دعونا الآن نتوقف مع مهرجان «دبي» بعد أن بلغ العاشرة. هناك لمحة خاصة لهذه الدورة لا يمكن أن تخطئها العين؛ لقد وصل بسرعة إلى عقد من الزمان، وكثيرا ما أجد نفسي أقول: «ياه» مر كل هذا الزمن، سُرق من عمري كل هذه السنوات؟! ثم تأتي الإجابة: ما أروعها من سرقة، وهل من مزيد؟!

شاهدت لحظات ميلاد دورته الأولى عام 2004، وظللت حريصا على اللقاء السنوي حتى لا تفوتني مراحل نموه. وجاء هذه الدورة استفتاء أفضل مائة فيلم عربي في تاريخنا الذي يصل إلى نحو 10 آلاف فيلم، ما بين روائي وتسجيلي، وسوف تظل تلك الاختيارات تشكل لدى المهتمين بالشأن السينمائي في عالمنا العربي المرجعية الأولى التي يجري من خلالها التأصيل النقدي.

ما الذي تفعله المهرجانات؟ لقد كان هذا هو التساؤل الذي ردده البعض مع أول دورة للمهرجان، ولم يكن سؤالا بريئا، كان يحمل بداخله نوعا من العتاب تقول كلماته: «أليس من الأجدى أن ينتج الخليج أفلاما وبعدها يقيم المهرجان؟!». وعدنا للمربع رقم واحد.. «البيضة أم الفرخة؟!»، وأثبتت التجربة العملية؛ سواء رأيت المهرجان بيضة أم «فرخة»، أنه سوف ينتج في نهاية الأمر أيضا أفلاما، وهكذا شاهدت في كثير من دول الخليج نشاطا سينمائيا، صار لدينا لأول مرة خمسة أفلام عربية روائية تشارك في الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي هذا العام، وبينها بالمناسبة الفيلم السعودي «واجدة» الذي شاهدنا انطلاقه لأول مرة في مهرجان «دبي» الدورة الماضية، وحصل على جائزة المهر الذهبي كأفضل فيلم عربي، ومنذ ذلك الحين ومخرجة الفيلم هيفاء المنصور أصبحت وجها مألوفا في المهرجانات العالمية، وهذه المرة تشارك في عضوية لجنة تحكيم «دبي».

حضور السينما العربية لا يمكن سوى أن تلحظه؛ الافتتاح بفيلم عربي «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد. نسبة تتجاوز النصف مما يعرضه المهرجان أفلام عربية. وكان قد سبق لفيلم «عُمر» أن اقتنص في مهرجان «كان» الأخير جائزة لجنة التحكيم الخاصة في قسم «نظرة ما».

على المسرح، جاء تكريم السينما العربية من خلال بعض رموزها، الذين شكلوا ولا شك الذاكرة البصرية لعالمنا العربي، وجاءت كلمة المخرج هاني أبو أسعد وهو يوجه تحية للسينما المصرية، مشيرا إلى أنه لولا هذه السينما ما كان من الممكن أن يقف على تلك المنصة، وشاركتنا الفرحة في يوم الافتتاح السماء المليئة بالألعاب النارية. إنه عُرس حقيقي لعشاق الفن السابع.