تطوير الجيش الأميركي يوجب تقليصه

TT

هل نريد جيشا أميركيا أفضل؟ إذا كنا نريد ذلك ينبغي تقليص حجمه، فكلما زاد حجم الجيش، تزايد الوقت الذي يحتاجه للعناية بذاته والحفاظ على بنيته كما هي، فقد دشنت البحرية أخيرا حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد»، التي بلغت تكلفتها 13.5 مليار دولار، في الخدمة للمرة الأولى. أبرز سمات الحاملة الجديد صغر حجم طاقمها، وأجهزة رادارها الأكثر تطورا، والوسائل المختلفة لانطلاق الطائرات، لكنها رغم ذلك تحمل الكثير من سمات حاملات الطائرات التي شيدتها الولايات المتحدة في نصف القرن الماضي. وهذا يعني أنها ستكون ذات بصمة واضحة على الرادار، وهو ما يجعلها واضحة للغاية، وهو ما قد يشكل خطورة في عصر صور الأقمار الصناعية العالمية والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، التي لم تكن موجودة عندما جرى بناء الحاملة الأولى «فورد». وقد كتب النقيب هنري هندريكس، وهو مؤرخ بحري وطيار، هذا العام، يقول، إن «حاملات الطائرات اليوم، أشبه بالبوارج الضخمة التي سبقتها، في الضخامة والتكلفة الكبيرة والعرضة للخطر - والمدهش أنها لا تصلح في وقت الحرب». إذا كان الأمر كذلك، فلماذا استخدام حاملات الطائرات إذا كانت الصواريخ التي تستطيع إصابتها لديها نطاق يبلغ ضعف طول حاملة الطائرات؟

والحقيقة أنه إذا مضت البحرية الأميركية في سياسة الاستحواذ الحالية، فإنها تخاطر بأن تبدو أشبه بالبحرية الملكية في الحرب العالمية الثانية. كانت أشبه بقواتنا البحرية اليوم، كانت البحرية البريطانية في ذلك الوقت الأضخم في العالم من حيث قدرتها على إطلاق قوة نيرانية أكثر من أي قوة بحرية أخرى. بيد أن ذلك أثبت أنه غير صحيح إلى حد بعيد في تلك الحرب، لأن قادة البحرية غاب عن بالهم الأهمية المتزايدة للغواصات وحاملات الطائرات، ولم يدركوا كيف غيرت كلاهما طبيعة الحرب البحرية. فكانوا يفكرون في حاملات الطائرات كسفن استكشافية، وتوفير الرؤية بعيدة المدى للبوارج، عندما حلت حاملة الطائرات محل السفن الحربية كقوة ضاربة للأسطول.

صحيح أن البحرية الملكية فازت بمعركة المحيط الأطلسي - لكن هذا يعود في جانب منه، لأن الولايات المتحدة قدمت لها مدمرات وسفنا مرافقة أخرى أغفلها الأدميرالات، وكذلك بعض الطائرات البرية طويلة المدى الحاسمة.

ولذلك فإن القضية لا تتمثل في امتلاك أقوى الجيوش اليوم، بل في المعدات العسكرية الأكثر أهمية في تلك الفترة - وهي النقطة التي يجري إغفالها. لتحقيق ذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى جيش ليس بالضرورة «مستعد للقتال» في أي لحظة، بل أكثر قدرة على التكيف مع متطلبات المستقبل.

أحد السبل الخاطئة للإعداد هي محاولة توقع شكل الحرب القادمة ثم بناء جيش - في البر والبحر والجو - يتماشى مع هذا التصور. الأغلب أن تكون التخمينات بشأن المستقبل خاطئة. ففي عام 2000 لم يكن أحد يتصور أن نقوم بغزو أفغانستان في العام التالي. وفي عام 1953، كانت فيتنام بلدا بعيدا لم يكن يعلم عنه الأميركيون سوى القليل. وفي عام 1949، كان هناك اعتقاد بأن كوريا سوف تكون بعيدة عن نطاق محيط دفاعنا... والقائمة تطول.

لعل أفضل شكل من أشكال الاستعداد هو بناء جيش أكثر قدرة على التكيف. جيش صغير وذكي. يجب أن يتوفر التدريب والتعليم لضباطه، لأن الضابط يتدرب على ما يعرفه، لكنه يتعلم لما لا يعرفه - وهو ما يعني، إعداد الضباط على التفكير بشكل نقدي خلال مشاركته في المواقف الجديدة والصعبة والفوضوية.

وتشير يوجينيا كيسلنج، أستاذة التاريخ في أكاديمية وست بوينت، إلى أن «الفترة تخللت الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تكن القوات الأصغر تتسبب في مشكلات لوجيستية، وكانت أسرع تكيفا مع التغيرات التكنولوجية» لم تكن هذه الملاحظة حجة لجيش ضخم قادر على القيام بالكثير من المهام، بل لجيش أصغر وأكثر حذرا في الإنفاق.

أنا لا أقصد بذلك خفض القوات البحرية وحدها، فجميع فروع الجيش الأميركي تواجه المشكلة ذاتها. وبشكل عام لا تزال الولايات المتحدة تمتلك جيش العصر الصناعي في عالم عصر المعلومات. ومع بعض الاستثناءات، ينصب التركيز أكثر على إنتاج قوة جماعية أكثر من تحقيق الدقة. فالقوات البرية، على وجه الخصوص، بحاجة إلى التفكير في التقليل من الاعتماد على القواعد الكبيرة وأكثر والتفكير في القدرة على البقاء على قيد الحياة في عصر المراقبة العالمية المستمرة. فعلى سبيل المثال، ماذا سيحدث عندما يتحول التقدم التكنولوجي الذي حققناه في العقد الماضي، مثل الطائرات من دون طيار المسلحة التي تجري السيطرة عليها من الجانب الآخر من الأرض، ضدنا؟ الطائرة من دون طيار ليست سوى عبوة ناسفة طائرة. وماذا لو وجد الإرهابيون وسيلة سهلة لإرسالها إلى عناوين في واشنطن تمكنوا من الحصول عليها عبر الإنترنت؟

تخيل عالما، تكون فيه «غوغل» أضخم متعاقد دفاعي خلال عدة عقود. فهل نريد جنرالات يفكرون مثل جورج باتون أو ستيف جوبس - أم من يملكون كلتا الصفتين؟ كيف نحصل عليهم؟ تلك هي أنواع الأسئلة التي ينبغي على البنتاغون البدء في التعامل معها. إذا لم نفعل، ينبغي أن نبحث عن القادة - مدنيين وعسكريين - فمن سيفعل.

*مستشار شؤون الأمن القومي في «مؤسسة نيو أميركا»

* خدمة «واشنطن بوست»