سياسة الـ«سمايلي فيس»!

TT

لا بد من الاعتراف الكامل الواضح والصريح بأن الذي اخترع مجموعة «الوجوه» في رسائل ووسائل التواصل الاجتماعي كان رجلا صاحب «دماغ استثنائي»، وأبدع في إيجاد الرد المقتضب المختزل السريع الوافي والكافي والشافي بشكل عبقري. فاليوم أرتال هائلة من البشر بأعداد لا تعد ولا تحصى حول العالم أدمنوا على استخدام الوجه المبتسم للتعبير، أو كما يطلق عليه الـ«سمايلي فيس».

وهذا المخترع يوم أطلق ما أنجزه للعالم لم يكن يدري أنه سيصبح وسيلة تعبير عابرة للحدود وخارقة للقارات والثقافات والحضارات، وهي لم تعد مقتصرة على أن تستخدم في إطار الحاسب الآلي أو على الهاتف الجوال أو على الكومبيوترات اللوحية، أبدا!.. فمثلا صديقي العزيز يجزم بأنه استخدم سياسة الـ«سمايلي فيس» وهو أمام «سالم» السباك الذي يتحدث معه عن إنجازاته في سباكة حمامات العالم وهو يحاول إصلاح حمامه للمرة الرابعة في ثلاثة أشهر، فهو يؤكد لي أنه لم يكن أمامه أي خيار آخر سوى استخدام سياسة الـ«سمايلي فيس» إياها، وحينما يتم إحراج موظف من زوجته وعائلته عن مصاريف مطلوبة وسؤاله من أين ستدفع كل هذه الفواتير والمتطلبات، فهو لا يملك سوى سلاح الـ«سمايلي فيس» نفسه لمواجهة ذلك الموقف.

هناك حالة عامة تنتشر في أوساط الناس وهم يتبنون مجبرين ارتداء الـ«سمايلي فيس» لمواجهة هموم الحياة وتقلباتها؛ وهم في الطوابير وقوفا، وهم في مكاتبهم وكأنهم يعملون، وهم في الأسواق يمشون، وهم في المطارات، وهم في المدارس.. إنها حالة عامة من الـ«سمايلي فيس».

الحياة مقهى كبير، والكل يبدو فيها أنه «ضارب سمايلي فيس» يغير شكله. وفي عالم السياسة أرى من يتبنى فكرة الـ«سمايلي فيس» باقتدار حتى الآن يسخرها لمصالح بلاده، ويبدو أنه يحصد منها الشيء الكثير والكثير جدا، فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يطبق سياسة الـ«سمايلي فيس» بمهارة شديدة وإتقان عال، فهو «محافظ» على نفس الابتسامة ونفس درجة لمعان أسنانه وبريق عينيه في كل ردود الفعل المادحة لبلاده والناقدة لها والمتشككة في نواياها، ويصيب من يطرح الأسئلة عليه بالقنوط واليأس بعد حالة تعجب غير بسيطة ولا يمكن إغفالها، لكن من المهم أنها سياسة فعالة. وطبعا هناك معلمه الرئيس حسن روحاني الرئيس الإيراني، الذي طور مفهوم سياسة الـ«سمايلي فيس» لمستوى هو أقرب لفن البانتومايم، أي التعبير من دون كلام، فهو لو استطاع أن يلقي خطبة بالـ«سمايلي فيس» لفعل من دون تردد ولا تفكير.

الـ«سمايلي فيس» يكسب كما يبدو. اعمل ما بدا لك، وكمّل مشوارك، وابتسم ابتسامة واحدة «ساحرة» و«ساخرة» في آن واحد ستحيرهم وتصيبهم «بلخمة» وهم يحاولون محاولات جادة وعميقة لفك رموز الابتسامة والبحث عن معانيها وأهدافها وتحليل كل ذلك، بينما أنت مستمر في ما عملت وتعمل وستعمل.

بدأت فكرة التعبير عن الابتسامة برسم نقطتين بجوار قوس، وتطورت لتصبح «وجها» بتعابير بكل الأحوال والحالات والعواطف والمشاعر، بأسلوب يفوق أهم الكتّاب والشعراء. كل الحالات أصبح لها «وجه» يعبر عنها بلا كلمات وبلا حروف. ولكن يبقى الـ«سمايلي فيس» هو أخطر سلاح، فهو ابتسامة، وهو تناحة، وهو «تحت السواهي دواهي»، وهو «يا ترى ما الذي تخفيه هذه الابتسامة؟»، وهو «أنا لن أصارح بما في قلبي».

تحولت المجتمعات بهدوء شديد إلى مجتمعات «سمايلي فيس»، فليست كلها لها معنى واحد، وليست كلها تحمل ذات التوجه، حتى التواصل الطبيعي بات متصنعا وصناعيا. طغت التقنية وغطت علينا. ابتسم أنت هنا، واحتياطيا أرسل له «سمايلي فيس» لأن الابتسامة قد تفهم خطأ.

تذكرت صديقي الذي وصلته رسالة من صديق مشترك بيننا ليس فيها إلا وجه مبتسم، فأعطاني هاتفه الجوال وهو يصيح بأعلى صوته ويقول: «عاجبك قلة الأدب هذه؟».