حضور الإنسان في قمة الكويت

TT

لا شك أن القمة الخليجية رقم 34 التي عقدت في دولة الكويت الأسبوع الماضي، واجهت تحديات كبيرة لمجلس التعاون الخليجي، الذي حافظ على تماسكه طوال 33 سنة، رغم ما واجهه من تحديات محلية وإقليمية ودولية.

وقد نجحت دول الخليج في حل الكثير من القضايا ومنها قضايا الحدود التي جرى حلها في إطار ثنائي.

ورغم حالة «الهيجان» التي واكبت قمة الكويت، و«هستيريا» وسائل التواصل الاجتماعي (مساندة أو رفضا) لمشروع الاتحاد، فإن أهل الحكمة يرون أن سيادة الدول لا يمكن أن «يجترئ» عليها مجلس التعاون أو حتى الاتحاد. وكان الرأي الأسلم - الذي أخذت به قمة الكويت – أن يعاد الموضوع إلى المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) لاستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع. وكان ذلك عين الصواب. ولكن ما شد انتباه المراقبين، ليس المباركات والدعوات والتمنيات، في كل القرارات التي صدرت عن القمة، وبعضها مهم للغاية. نقول إن ما شد الانتباه هو حضور الإنسان الخليجي في قمة الكويت. وهذا ما جعل «إعلان الكويت» يتجاوز قرارات القمة، التي اعتاد عليها الشعب الخليجي. ففي ذلك الإعلان اعتراف بأن هناك قرارات لم تصل إليها يد التنفيذ، وهذا ما جعل المسيرة بطيئة ولم ترق إلى تطلعات المواطنين والقادة في الدول الأعضاء. فجاء الإعلان مؤكدا ضرورة تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن المجلس في كافة المجالات، وأهمية إجراء مراجعة شاملة للقرارات التي لم تنفذ، ووضع الآليات المناسبة لسرعة تنفيذها. وهذا يجعل الجهات التنفيذية في الدول الأعضاء أمام مسؤولياتهم، وحق الشعوب في أن يكون هؤلاء على قدر تلك المسؤولية.

كما أن في ذلك الإعلان توجها نحو استثمار طاقات الشباب في دعم جهود مجلس التعاون لتحقيق المزيد من الإنجازات، وتطوير برامج تخدم قطاع الشباب. وفي حقيقة الأمر، فإن شباب دول التعاون ليسوا كلهم من الرياضيين - الذين توفر لهم الدول ما يحتاجونه من مستلزمات لتنمية قدراتهم - بل توجد فئات مختلفة من الشباب الملتصقين بالعلوم والآداب والتجارة وغيرها من المجالات، وهذا ما حتم موافقة قادة دول المجلس على إنشاء صندوق لدعم ريادة الأعمال لمشروعات الشباب الصغيرة والمتوسطة، وتأسيس برنامج دائم لشباب دول مجلس التعاون لتنمية قدراتهم وتفعيل مساهمتهم في العمل الإنمائي والإنساني وتعزيز روح القيادة والقيم الإيجابية لديهم مع التعريف بالهوية الخليجية (ونعتقد أن هذا التعريف يحتاج إلى مراجعة شاملة للإعلام الرسمي الذي يجنح - في بعض حالاته - إلى «التغريب» وتشويه الهوية الخليجية، وقد يحتاج الأمر إلى ندوة إعلامية حول هذا الموضوع المهم). ونأمل أن تضع الأمانة العامة لمجلس التعاون - بالتعاون مع المختصين بشأن الشباب - البرامج اللازمة لتفعيل هذه القرارات، وأن تكون البرامج متماشية مع مستلزمات العصر وحتميات التكنولوجيا، لا أن يتحول المشروع إلى خطابات «فوقية» من بعض الأكاديميين الذين يعيشون في «تابوت التاريخ»، كما شهد ذلك الشباب في المراحل الابتدائية.

الموضوع الآخر الذي أوجد شعوب «الخليجي» داخل قمة الكويت، هو كلمة رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم ونقله لآراء نظرائه رؤساء البرلمانات والمجالس الخليجية، وهذه بادرة جديدة تستحق الإشادة والمباركة، وهي تقرب المجلس من الشعوب.

الموضوع الثالث والأهم في الإعلان هو تكليف الأمانة العامة بالتواصل مع الرأي العام الخليجي ومواطني المجلس والكتاب والمفكرين للتعرف على آرائهم ومقترحاتهم بشأن تعزيز مسيرة مجلس التعاون. وهذا يحدث لأول مرة منذ 33 سنة، حيث ظلت هذه الفكرة مستبعدة من المجلس، رغم المرارات التي عانوها كل عام وهم يدبجون العبارات الصادقة من أجل التقدم الحثيث نحو الإنجازات التي تأملها شعوب الخليج.

وهذا الموضوع يضع على الأمانة العامة للمجلس جهدا جديدا، ذلك أن هذا التواصل المطلوب يجب أن يكون مباشرا مع أصحاب الرأي والمفكرين والمبدعين، حتى غير الرسميين، ذلك أن المفكرين وأصحاب الرأي الحر والموضوعي غالبا ما يكونون خارج الإطار الرسمي، وهذا يفرض التواصل مباشرة مع الجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني والمبدعين والمفكرين - أفرادا - إذا ما أريد أن تكون حصيلة العمل ناجحة وناضجة وتصب في صالح قرار القادة. وقد تكون الأمانة العامة قد تحملت الكثير، ولكن هذا هو قدر المؤسسات التي تسعى لإسعاد أهلها، وتحقيق طموحاتهم وملامسة مشكلاتهم بعيدا عن المجاملة أو سياسة «حرق المراحل».

نحن نعتقد أن أمام الأمانة العامة لمجلس التعاون مهمة كبرى، لأن حضور الإنسان الخليجي في قمة الكويت كان ثمرة طال انتظارها - وعلى الأمانة العامة أن توجد الرؤى والآليات الملائمة لتحقيق قرار القادة وطموح الشعوب، وتترجم القرارات إلى آليات عمل فورا ومن دون تأخير.