لا تشارك الأسد مخدعه

TT

قد يعتقد البعض أن سياسة أميركا الخاصة بسوريا لن يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه، لكن صعود المتطرفين في سوريا يولّد تفكيرا خطيرا في العواصم الغربية. وبدأ المستشارون من أعلى المستويات، والمسؤولون السابقون الحديث أخيرا حول بشار الأسد بوصفه شرا أهون مما يمكن أن يأتي بعده، بل إن البعض يرى في الأسد شريكا محتملا في القتال ضد المتطرفين. وبحسب الحجة، فإن إعادة بناء الجسور مع الأسد ستسمح لوكالات الاستخبارات الغربية باختراق وتعطيل أنشطة الجماعات المتطرفة، والتمكّن من تحديد مئات المتطرفين الغربيين الذين يتدافعون نحو سوريا.

مثل هذا التحليل المبَسّط يبرئ سجل الأسد، كما قد يؤدي بإدارة أوباما، التي يُعد نجاحها في سوريا محسوبا من حيث درجة عدم انخراطها في الأزمة، إلى النكوص إلى استراتيجية مكافحة الإرهاب الضيقة التفاعلية التي تبنتها في الدول الأخرى التي بها مشكلات، مثل اليمن. وأحدث دليل في هذه الحجة هو قول ريان كروكر، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى سوريا والعراق وأفغانستان، لـ«نيويورك تايمز»، في إشارة إلى مكافحة الإرهاب وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك: «نحتاج أن نبدأ الحوار مع نظام الأسد مرة أخرى»، وأضاف: «إن الأسد رغم ما هو عليه من سوء، فإنه ليس بسوء المتطرفين الذي سيحلون محله حال غيابه».

يرى عدد متزايد من المسؤولين والمحللين الغربيين في سوريا الآن بسخرية، بحسب كلمات أوباما، «حربا أهلية لطرف آخر»، حيث يقتل أشرار «القاعدة» (وغيرهم من المتطرفين السنّة) أشرارا آخرين (حزب الله والمتطرفين الشيعة). إن مصالح الغرب الحيوية هي منع انتشار قتالهم، ومنع المتطرفين الغربيين من أن يصبحوا خطرا محليا.

تكسب الجماعات السنية المتطرفة مواطئ قدم، وخاصة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؛ فقد نمت في حجمها وامتدادها وطموحها. فقد طردت الناشطين والصحافيين وموظفي الإغاثة، وقتلت المتمردين المحليين، وفرضت حكما إسلاميا متزمتا في عدة مناطق. ويصارع مقاتلو المعارضة البؤساء ذوو التسلح الضعيف لاحتواء المتطرفين. واضطروا في بعض الأحيان إلى التوصل إلى توفيق غير سهل معهم، أو حتى القتال معهم ضد قوات النظام، بسبب الانتهازية والحاجة أكثر من كونه بسبب الآيديولوجيا.

كان كل ذلك متوقعا، فلقد سجن وقتل الأسد الناشطين المدنيين السلميين، لكنه أطلق سراح كثير من السلفيين من السجن بُعيد بداية الانتفاضة، بهدف تعديل طبيعة واستراتيجية المعارضة. وأضعف المعارضة فشل الغرب في تدريبها وتزويدها بالعتاد مقارنة بالمتطرفين. ومن أكثر ما يريح الأسد تشويه المتطرفين للثورة السورية، مما يؤكد صحة رواية الإرهاب الإسلامي، التي كانت تُعدّ زائفة، والتي نشرها الأسد خلال المراحل الأولى من الانتفاضة. إن النظر إلى سوريا بصورة أساسية أو فريدة من خلال عدسة مكافحة الإرهاب بعد عامين من الحرب يُعد خطأ هائلا. وإعادة التعاون الاستخباراتي هي بالضبط ما يأمل الأسد أن يغري به الدعم الغربي ويستعيده. وقد استأنفت بعض وكالات الاستخبارات الغربية اتصالاتها مع نظرائهم السوريين بالفعل. وورد أن الأسد بنفسه عرض مثل تلك المساعدة عن طريق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي زار واشنطن أخيرا.

وبحسابات الأسد، فإن توفير معلومات عن الرهائن والمتطرفين الغربيين سيثير مبدأ «الشيء بالشيء» ويدعمه، كما فعلت صفقة الأسلحة الكيميائية تماما؛ فإن عرض الأسد نفسه بوصفه براغماتيا واقعيا وشهما، سيجبر الغرب على تسوية خطيئته الأولى بمعارضته. وسيسند التعاون شرعيته، ويزيد من إضعاف معنويات أعدائه الداخليين.

لقد لعب الأسد مثل ألاعيب العقل هذه بنجاح من قبل، فقد خدع بمظهره الكاذب المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، بعد إرساله المقاتلين المتطرفين لقتل آلاف العراقيين - وكثير من الأميركيين - في العراق، وزعزعة الاستقرار في لبنان، وبناء مفاعل نووي. إن علاقات الأسد بجماعات سنّية متطرفة قديمة وموثقة جيدا؛ لقد دربهم ورعاهم وتلاعب بهم، ليس في العراق فقط، بل في لبنان أيضا. وحتى اليوم هناك شك قوي في أن استخبارات النظام اخترقت الجماعات المتطرفة.

في النهاية، يتوقع الأسد أن يجعل خوف العالم من مستقبل إرهاب المتطرفين ينسيه المذابح التي ارتكبها. ونجاح الأسد بعد قتله لعشرات الآلاف من شعبه ستكون إدانة لعينة للسياسة الغربية. الآن يجب أن تكون فظاعات النظام - التي تفوق فظاعات المعارضة بكثير - واستراتيجياته الطائفية المتصلبة قد محت المغالطة التي طالما ادعاها بأنه علماني لأنه يرتدي الملابس الغربية، ولديه زوجة غير محجبة، ويسمح للطوائف الأخرى بالصلاة طالما سلموا كل حرياتهم. في ظل هذه الظروف لا تعني كلمة «علماني» أي شيء.

وفوق الإفلاس الأخلاقي والسياسة غير السليمة، فإن استعادة التعاون الاستخباراتي مع نظام الأسد سيفاقم مشكلة المتطرفين فقط. وسيؤكد شكوك السنّة بأن الغرب كان دائما في تعاون وثيق مع الأسد، كما سيدفع بالمزيد من السوريين إلى أيدي المتطرفين، وسيزيد من صعوبة إيجاد شركاء محليين لمكافحة المتطرفين.

ستظل أفضل استراتيجية لمكافحة الإرهاب هي تمكين المعارضة السورية العريضة، كجزء من سياسة أوسع وأكثر حسما ظل البيت الأبيض يرفضها مرارا.

* محلل لشؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي

للدراسات الاستراتيجية ومؤلف كتاب «انتفاضة سوريا وتشرذم الشرق»