أين اختفوا؟

TT

يتفاوض الفلسطينيون والإسرائيليون حول مرحلة يُفترض أنها شبه نهائية في غياب مطلق للعرب عما أنشدوا له طوال عقود طقطوقة «القضية المركزية». البراميل المتفجرة تنهال على حلب، والعراق أرسل فصيله المقاتل إلى سوريا، وحماس منهمكة في «تحرير» سيناء من «الاحتلال المصري». أما في تونس، التي لجأ إليها الفلسطينيون من بيروت، فإن الرئاسة مأخوذة بفضح من دفع للإعلاميين أيام بن علي ومن قبض. غريب إن كان هناك من ينصح الرئيس المرزوقي، والأغرب ألا يكون هناك أحد. إنه ضيعان المرحلة النضالية.

«قضية العرب المركزية» و«القرار الفلسطيني المستقل» كانا مبالغتين مخادعتين لا معنى لهما، لأنه لا قيمة لهما. البديل الأفضل كان أن يعامل العرب القضية كمسألة كرامة قومية لا كذريعة سيطرة محلية، وأن يستبدل الفلسطينيون بـ«القرار المستقل» عن العرب القرار المشترك مع كل صادق بعيد عن التكسب السياسي والمادي والذرائعي في اضطهاد أهله واستمرار مجده.

هذه القضية المنسية الآن كأنها في قارة أخرى حولها العرب من نزاع مع إسرائيل إلى صراع في ما بينهم. قسّموها إلى جماعات وفصائل تتقاتل على النفوذ والمكاسب. توزعوا قرارها وتسلطوا وجعلوها حروبا داخلية صغيرة، بحيث أصبح مطلب «القرار المستقل»، على وجاهته، خطأ استراتيجيا آخر.

المطالبة بـ«القرار المستقل» جاءت بعد سلسلة لا تطاق من الذل والإهانة. وهذا لا يعني أن الفلسطينيين لم يكونوا بلا أخطاء في انغماسهم في الأوحال المحلية والإقليمية، أو بخروجهم عن القواعد والأصول في الأردن ولبنان والكويت.

لقد تهاوت القضية في وسط عمليات الاستقطاب. وعندما قرر أبو عمار أخيرا أن أرض الصراع الوحيدة هي أرض فلسطين، لا عمان ولا بيروت ولا الكويت، عاد مثخنا بالجراح عن طريق «أوسلو».

مشهد فلسطين وحيدة الآن من غير عرب مثل صورتها يوم كان العرب حائمين حول جراحها مثل قطعة من الحلوى. كل فريق يريدها لنفسه، وما من أحد يريدها لنفسها. في الماضي كان أقصى ما تريده أميركا - وإسرائيل - هو الفصل بين العرب وفلسطين. تحقق ذلك من دون أي جهد. ينبغي الآن بذل شيء من الجهد لتذكير العرب بالطقاطيق التي رددوها طوال نصف قرن. كما ينبغي البحث عن وسيط لفك الحصار عن مخيم اليرموك، و«الميغ» في حمص والبراميل في حلب. أمجاد.