2014 إيران والمنطقة: مرحلة ما بعد الثورات!

TT

من الصعب التنبؤ بتكهنات السياسية ومتغيراتها على طريقة استشراف المستقبل في مجالات أخرى، لكن من المهم توقع ما ستؤول إليه الملفات الأساسية في المنطقة، وأهمها حدث نهاية العام وهو التقارب الأميركي - الإيراني وتحويل المنطقة إلى سوق سياسية كبيرة تعرض منتجاتها في شكل أزمات وانهيارات اقتصادية وثورات مسروقة، وتردي أوضاع الداخل، في مقابل ضغوط خارجية باتجاه المصالحة الوطنية أو إثارة قضايا الأقليات والحدود... إلخ من الملفات الحقوقية التي باتت السلعة الأخطر لتهديد الداخل بما تملكه من مصداقية ونزعة إنسانوية.

دول المنطقة، وعلى رأسها إيران، ستواجه عام ترميم الذات، لكن إيران ستدخل المشهد الجديد بفرص أكبر حظا، حيث انكماش تركيا وانشغال دول «الربيع العربي» بإعادة تعريف هويتها السياسية من جديد، في حين أن دول الخليج تحاول جاهدة البقاء على حالة الاستقرار الداخلي مع ترقب وتحفز للمتغيرات الإقليمية.

لكن بالعودة إلى إيران، فإن التردي الاقتصادي الذي بلغته طهران كان نتيجة منطقية لسياسات نجاد وصلفه وعناده وتضخم العقوبات الاقتصادية، مما أضعف الداخل الذي انتخب روحاني كردة فعل جمعية على ما آلت إليه الأمور في حكومة نجاد، التي استمرت زهاء ثماني سنوات عجاف، وهو ما يؤكد أن انهيار الأوضاع الداخلية الخطوة الأولى إلى التغيير السياسي الذي تتداخل فيه عوامل أخرى، كالسياسة الخارجية وعلاقة النظام السياسي بالمجتمع الدولي، وتظل هذه عوامل محفزة لا تملك مقومات التغيير الجذري كما يملكه «الداخل» بما يعنيه من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي.

الاقتصاد الإيراني هو ما خلع نجاد بعد أن أتخمت البلاد بحالة تضخم غير مسبوقة (أكثر من 30 في المائة!) وبعد أن أمعنت سياسته التقشفية في رفع الدعم عن السلع الأساسية، رغم أن هذه الحكومة كانت في أفضل أوقاتها من حيث أسعار النفط (قرابة 80 مليارا نهاية 2011)، حالة التردي هذه يفترض أن تزول مع حكومة روحاني متى ما استمر في سياسة تحسين الداخل عبر رفع العقوبات والتصالح مع الخارج، فرفع العقوبات ما زال محدودا لا يمكن أن يقوم بتغيير جذري يرفع من اقتصاد السوق على حساب التكافل الاجتماعي والطبقات المسحوقة في الداخل.

من جهة ثانية لا يستطيع روحاني، رغم كل الصيت الإيجابي الذي حققه في الخارج، أن يقفز على هوية إيران السياسية ومبادئ الجمهورية الإسلامية التي لم يكن نجاد إلا الجزء القاصي منها، وبالتالي فإن من المتوقع أن تفرز إدارة روحاني خطابين: واحدا للداخل يستثمر في الهوية السياسية، وآخر للخارج متسامحا ودبلوماسيا باستطاعته أن يخترق الجدار الصلد للمجتمع الدولي بقيادة أميركا والدول الست، لكنه سيفاوض على ملفات المنطقة وليس على مرتكزات الداخل الإيراني القائمة على مبادئ الجمهورية الإسلامية.

الإشكالية التي ستتعرض لها إيران وكل الدول أو الحركات السياسية القائمة على آيديولوجية عقائدية أن نجاح صورتها في الخارج مرتبط بتغير هويتها في الداخل، وبالتالي تحسن مستوى الداخل مرتبط بتحقق شروط المصالحة مع المجتمع الدولي والملفات العالقة، وهنا يكمن المأزق، حيث تحول السلاح النووي إلى ما يشبه كبش فداء في سبيل الحفاظ على الخارج أو يتم التضحية برفع العقوبات بشكل كامل في سبيل الإبقاء على سلاح الردع النووي كحالة شبه منجزة ولو إعلاميا للهيمنة على المنطقة.

[email protected]