السلطان إردوغان ومحنة غولين

TT

من حق الرئيس إردوغان والمعجبين بنجاحاته السياسية والاقتصادية أن يتكئوا على نظرية المؤامرة في تفسير الحرب السياسية التي شنها ضده ومن كل الاتجاهات فتح الله غولين زعيم حركة «خدمة» الإسلامية ذات التوجه الصوفي، أو «حزمة» كما ينطقها الأتراك، حيث يرى المعجبون بإردوغان أن هذه الحرب الغولينية تأتي في سياق استراتيجية الإجهاز على تجربة الإسلاميين السياسية والتي آتت أكلها في مصر وعلى وشك أن تستوي في تونس ويجري طبخها في ليبيا وتوأد وهي نطفة في مواقع أخرى، وهذا وارد جدا، لكن المؤمنين بنظرية المؤامرة بصورة عامة، وليس في حالة الصراع الإردوغاني الغوليني فقط، يقعون تحت تأثير أعراضها الجانبية الخطيرة وهي الغفلة أو التغافل عن الأسباب الذاتية والتي شدد القرآن عليها النكير (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم).

وليس في نص الآية ما ينفي حكاية التآمر، لكن الحصيف هو الذي يبدأ بتلمس مواضع الخلل في نفسه ومحيطه قبل أن يتتبع خيوط المؤامرة والتي لا يسلم منها فرد أو جماعات أو دول أو حزب أو فكر بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الدينية أو الآيدلوجية، فالبشرية تجري عليها سنة المدافعة والصراع والمؤامرات بين أديانها وأفكارها وأعراقها وأحزابها، فمن السذاجة أن يقال بأن دينا محددا أو ملة بذاتها أو توجها فكريا معينا أو حزبا سياسيا لوحده أو دولة بعينها هي العرضة للتآمر خالصة لهم دون غيرهم.

والبراعة في عالم السياسة وإدارة الدول إنما تبرز في أجواء الصراعات السياسية والفكرية وحتى الحربية، بل إن هذه الظروف هي التي تخرج قادة الدول ورموزها السياسية، وإردوغان نفسه ليس بدعا من هذه المخرجات، فقد ولد سياسيا بارزا من رحم الصراع مع العلمانية المتطرفة في تركيا التي وأدت كل محاولات معلمه وملهمه نجم الدين أربكان بالسجن والملاحقات والانقلابات، وحاولت أن تكرر مع التلميذ إردوغان ما فعلته مرارا مع شيخه أربكان بالانقلاب عليه إلا أن الأخير جعلهم وجبة غداء دسمة قبل أن يتعشوا به على صفيح دبابة ساخن.

وعلى فرضية التسليم بنظرية المؤامرة في مسألة مناكفة جماعة فتح الله غولين، سواء كانت مؤامرة داخلية صرفة، أو كانوا مخلبا لقط خارجي كبير، فهي فرصة تاريخية أخرى لإردوغان لتجديد نجاحاته في صراعاته السياسية مع خصومه في الداخل والخارج من خلال مسارين مهمين: المسار الأول من خلال تلمس مواضع الخطأ والقصور في أسلوبه وتكتيكاته وتعاملاته مع الملفات السياسية الداخلية والخارجية وتقليص منازلاته السياسية قدر الممكن، والمسار الثاني أن ينصت إلى صوت المعارضة، فليس صحيحا أن كل حركة احتجاج مؤامرة أو حثالة كما وصفهم بها، وكل فصيل ينفلت من منظومة ناخبيه فهو مستجيب بالضرورة لنداءات تآمرية دولية، وحتى لو صحت نظرية المؤامرة فالحنكة السياسية وعبقرية القيادة تبرز في استيعاب الأصوات المعارضة وقطع طريق خصومه إليها لا تخوينها ومحاربتها.

[email protected]