النوم في مقبرة جماعية

TT

سوف تنتهي المأساة السورية ذات يوم. لا نعرف كيف وعلى أي عدد من القتلى والمعوَّقين والمشرَّدين، وأي كمية من الخسائر وأية أمراض دائمة في النفوس. وسوف يجلس المؤرخون فوق الأنقاض، ويتربع المحللون فوق الهياكل العظمية، ليضعوا رواية مختصرة تليق برفوف المكتبات. وسوف يضيع بين الأسطر والفواصل عويل الأمهات وبكاء الأطفال. ولن تعثر على مسؤول. تشاركوا في الجريمة، وسوف تُوزّع عليهم المسؤوليات.

إذا كان تحديد المسؤوليات عبثيا وطفوليا، ولا معنى له بين الركام والدموع، فلنحدد على الأقل أسياد اللؤم في هذه الملحمة المحزنة. التصرف الدولي الشرير والتعري الفاضح في ساحات الموت. الفيتو الروسي الذي ظهر للمرة الأولى في تاريخ مجلس الأمن بهذه الضراوة، والفيتو الصيني التابع، ومقابلهما الهلهلة الأميركية المرتخية ومعها مؤتمرات أصدقاء سوريا وصورها التذكارية، غالبا برفع أصبعي الانتصار.

كل هذه الأمم خدعت الشعب السوري، ودفعت به إلى الموت. الروس لعبوا الدور الأكثر تحملا للمسؤولية، ليس في قصف الناس جوا وبرا، بل في عدم إلجام النظام وعدم نصحه، وإطلاعه - هو وإيران معه - على ما يمكن أن تصل إليه النزاعات، بحيث لا يبقى لأي فريق شيء يأخذه معه.

يصعب تحديد حجم اللؤم الدولي بالتراتب. وحجم الخداع. ولكن روسيا بوتين، هي التي قادت وتقدمت هذه الازدواجية الدولية. وعليها تقع مسؤولية هذا الحجم من الموت. وعلى ازدواجية لغتها الغامضة والباردة مثل جثة. وعلى ازدواجيات اللغة الأميركية وبابلياتها وضياعها. وعلى سربلة الإدارة الأميركية أمام أخطر التحديات العالمية التي تواجهها وتواجه النظام العالمي.

سوف تتحول أكبر مأساة بشرية في هذا القرن إلى أرشيف في الكرملين ووثائق أميركية يُكشف عنها بعد 30 عاما. وأين منظِّر تركيا السيد داو أوغلو، الذي طرح نفسه على أنه منظِّر العصر وملهم تركيا الحديثة؟ وأين قراءته لوضع المنطقة وسياساتها؟ وأين أصبح حماس المستر كاميرون، وأين يحتفظ بخطبه وتصريحاته النارية؟ الجميع يفركون أيديهم الآن، يحيلون قضية الدولة التي شاركوا في قتلها إلى «جنيف 2». كأنما جنيف الأولى لا تكفي. كأنما هذا العالم وضع راحة ضميره بين يدي الأخضر الإبراهيمي، وذهب إلى النوم في المقبرة الجماعية الكبرى.