صورة الأم قبل العثور على الرماد

TT

كانت الصور في اغتيال محمد شطح، وفي جنازته، وفي تقديم التعازي به، متشابهة مع ما سبقها في اغتيال وليد عيدو أو أنطوان غانم أو جبران تويني. في العادة، لا أتمعن في هذه الصور، وغالبا لا أقوى على مشاهدتها. دائما أخاف أن أقع بينها على صورة أم تبحث عن ابنها بين الجمر والرماد. تخيلها تعثر عليه.

حدث ما ارتعدت دائما من رؤيته: صورة والدة طارق محمد بدر بلباس أسود، تائهة الملامح، زائغة العينين، تحمل في يدها هاتفا جوالا، وتدور في فناء الانفجار وبقايا الجثث باحثة عن طارق. في بلاد المواكب الفاحمة بالزجاج الأسود والمتفحمة، رفض محمد شطح هذه العادة السمجة. اكتفى بمرافق واحد وهذا المرافق كان طارق بدر. ومثل مرافقي 12 سياسيا سقطوا من قبل، سقط محمد بدر غير قادر على أن يحمي من هو مكلف حمايته ولا حماية نفسه. هكذا خرجت أمه عندما سمعت دوي الانفجار خائفة من أن يكون ابنها بين ضحاياه. كان ابنها بين ضحاياه. ما أفظع الظن الفظيع عندما يصدق.

حضر مشهد الأم ثقيلا على القاتل. أولا، محمد شطح أوصى بأن يدفن عندما يموت في مقبرة أمه. لكن الوصية لن تنفذ. دفن إلى جانب رأس القافلة، رفيق الحريري، في مقام الشهداء لا في مقام الأهل وحضن الأمومة. وأما أم مرافقه في الحياة ورفيقه في الموت، طارق فبدت كلوحة للرعب قبل لحظات من ذلك اليقين الحزين: أجل، الرماد رماد طارق.

أرجو ألا يبدو في ذلك أي نوع من الخبث أو اللؤم أو الخسة. لكنني أفكر دائما في أم القاتل. أم القتيل عزاؤها في أنه من صنف محمد شطح أو طارق بدر. من أي صنف هو ابنها؟ من أي فئة هو ذلك الذي أوقف السيارة الأولى وذلك الذي أوقف مكانها السيارة المفخخة والثالث الذي ضغط على صاعق التفجير عندما تأكد أن ضحيته في المكان، وليس مهما أبدا من يكون هناك أيضا؟ في الاغتيال لا تحين ساعة المستهدف وحده بل أيضا ساعة كل من صدف وكان قربه تلك الساعة.

ترى كيف تطلعت أم القاتل في صورة أم طارق بدر قبل دقائق من وصولها إلى فحم ولدها؟ أحيانا تعرض في الصحف والنشرات صورة أم تزغرد لبطولة ابن قتل في سوريا. لا يعقل. هذه خالته. الأم في بيتها تنتحب.