لبنانيو المؤسسة الفلسطينية

TT

على هامش العمل العسكري والسياسي الذي قام به الفلسطينيون، والذي أصاب وأخطأ وزاد في الخطأ، أقاموا عملا ثقافيا ضخما هو «مؤسسة الدراسات الفلسطينية». ومثل كل عمل حضاري ظلت المؤسسة خارج نطاق الأخطاء. اعتمدت في فكرها على أكاديميين مثل وليد الخالدي، وفي تمويلها على بناء مثل سعيد خوري. لكن اللافت في المؤسسة أن رئيسها دائما لبناني، ومديرها العام لبناني، وهو الأستاذ محمود سويد، الذي تركنا في الصحافة وذهب يعمل عملا أفضل. أما رؤساء المؤسسة فكانوا من أمثال الدكتور قسطنطين زريق. وهو منصب فخري في أي حال. وأخيرا تقاعد الدكتور هشام نشابة من الرئاسة وانتخب خلفا له وزير الثقافة السابق الدكتور طارق متري.

يفترض في تبادل الخطب في مثل هذه المناسبات، الجد والوجوم. لكن نائب رئيس المؤسسة المحامي باسل عقل، اختار في توديع الدكتور نشابة، شيئا من الابتسام. ففي مرحلة الفوران القومي في بيروت كان نشابة أستاذا في كلية المقاصد الإسلامية وباسل عقل تلميذا في الجامعة الأميركية. وفي كل مرة يقرر فيها باسل التظاهر يذهب إلى أستاذه السابق بطلب شديد البساطة: علق لنا الدروس اليوم، نحن في حاجة إلى تلاميذك.

ظل نشابة يقدم هذه الخدمة بسرور إلى أن شعر أن طلابه يمضون في التظاهر أكثر مما يمضون في التذاكر، وعندما جاءه باسل في المرة التالية قال له: هل أنا أستاذ أم مزود تظاهرات؟

تذكروا جميعا ذلك اليوم، مدينة كانت تحرك المد القومي في العالم العربي. أو بمعنى أكثر دقة، جامعة هي الجامعة الأميركية، التي تخرج فيها عبد المحسن القطان وجورج حبش وأحمد الخطيب وصائب سلام وعلي فخرو وغسان تويني ومنح الصلح، وصف طويل من رجال العرب القادمين من كل مكان.

لم تكن الجامعة الأميركية هي الكليات وحدها بل كانت كل ما حولها أيضا. كانت المطاعم والدكاكين والمكتبات وكل ذلك العالم الذي يحيط بها. وفي حصيلتها أنها تركت الأثر العربي في لبنان والمنطقة وليس الأثر الأميركي. الصروح الثقافية لا تستطيع أن تغلق أبوابها ونوافذها. مؤسسة الدراسات الفلسطينية كانت صرحا ثقافيا آخر، ابتكره ولا يزال يرعاه، ذلك الأكاديمي الرفيع، وليد الخالدي، أبو أحمد، لمقدريه.