ولاءات ما أنزل الله بها من سلطان

TT

يواجه اليهود وأصدقاؤهم هذه المحنة المستمرة. مهما تفعل إسرائيل من شرور فعليهم الدفاع عنها وتبريرها للآخرين. لا ينطقون بكلمة ضدها من باب النقد الموضوعي حتى لا توجه لهم تهمة معاداة السامية. والويل ثم الويل لمن يقع فيها. ولكن هذا المأزق شائع في شتى الميادين. ما أن أنطق بكلمة ضد إيران، حتى ينبري من يدافع عنها ويتهمني بالطائفية. حب الحسين لديه أصبح مرادفا لحب إيران. إذا لم تحب إيران فأنت لا تحب الحسين. تماما مثل قصة السامية ومعاداة السامية بالنسبة لإسرائيل. ولهذا فإنني أقدر حق التقدير جرأة زميلي نبيل الحيدري الذي لا ينفك من انتقاد إيران ومهاجمة التشيع الإيراني. ولكنه أكثر مني مناعة في هذا الخصوص، فهو جعفري ودرس الشريعة الجعفرية في قم. وهو ما لا أستطيع الادعاء بها لنفسي.

التعبير عن الولاءات معضلة وفن. في فلسطين تعبر عن الولاءات بولاءات اللاءات فيأتيك معاشك في حينه. في زمن عبد الكريم قاسم كان المتبع أن تعبر عن ولائك للثورة بابتياع جريدة «اتحاد الشعب». تأتي بها وتزيح كل ما أمامك من معاملات وأعمال الناس وتفرش «اتحاد الشعب» على الطاولة وأنت مطمئن. تغير الأمر في عهد البعثيين. كان عليك عندئذ أن تفعل ذلك ولكن بصحيفة «البعث». الإخوان المسلمون قضيتهم سهلة. كل ما عليهم أن يفعلوا هو أن يأتوا بنسخة من المصحف الشريف ويضعوها أمامهم على الطاولة، وعندما يسقط نظامهم يرفعونه من عليها.

قلت التعبير عن الولاء فن. في أيام الحرب الباردة، تعرب عن ولائك للحزب الشيوعي ابتداء عند الصباح. تفتح الراديو على محطة موسكو وتنتظر حتى يذيع المذيع نشرة الأنواء الجوية. إذا قال: إن السماء في موسكو ملبدة بالغيوم وهناك توقعات بمطر غزير، فتحمل مظلتك وتفتحها في بغداد وتمشي هكذا في الشوارع المشمسة.

تجد ظاهرة الولاءات في شتى الميادين والمفترقات. أعاني منها شخصيا في نطاق أسرتي. فأنا لا أجرؤ على انتقاد أي رسامة أو أديبة أو عالمة في الفيزياء إلا وانطلقت زوجتي في الدفاع عنها. لا أنا ولا هي نفهم أي شيء في علم الفيزياء. ولكن أم نائل تعتبر الدفاع عن امرأة من جنسها واجبا مقدسا عليها. وهذه معضلة خطيرة فهناك على وجه الأرض ما يزيد على ألف مليون امرأة عليها أن تدافع عنهن جميعا.

وموضوع جارتنا إيران أصبح شيئا مشابها لذلك. فإذا انتقدت المنشفة في مطعم إيراني بلندن سيأتي رجل من الناصرية أو البصرة ويتهمك بالطائفية. أصبح الآن انتقاد الملالي أمرا محذورا لأنه يتضمن انتقاد إيران. وانتقاد إيران أصبح مثل انتقاد إسرائيل؛ أمرا يحاذر المرء منه.