ويل من السفه السياسي

TT

يصر «الإخوان المسلمون» على مواصلة ضجيجهم بدعوتهم للعودة للشرعية وكأنهم التزموا بالشرعية طوال الثمانين عاما من تاريخهم الدامي. كانت كلمة حق يراد بها باطل. فالشرع والشريعة والشرعية بحد ذاتها ترد دعواهم بما يكفي. لقد تسلموا الحكم بأصوات ضئيلة واحترم الجميع ادعاءهم بالفوز. لعل القراء يذكرون ما قلته. أعطهم ما يكفي من الحبل ليشنقوا أنفسهم. فكل أنظارهم وأفكارهم ورجعيتهم تضمن فشلهم في الحكم، فليجربوها ليتفرج العالم على عدم نجاح الإسلام السياسي. وهذا ما حصل في بحر عام من الزمن، أسرع بكثير مما كنت أتوقع. تدهور الجنيه المصري وانخفض الرصيد الأجنبي وتراكمت الديون وماتت حركة السياحة وهبط مستوى المعيشة وتردت الأحوال الاجتماعية والثقافية وتفاقمت الطائفية والمنازعات الدينية، وبعين الوقت تخلى «الإخوان» عن جل ادعاءاتهم السياسية والدينية، كتحرير فلسطين. أصبحت مصر، أم الفكاهة، نكتة ومصدرا للتندر والسخرية.

لو أن شابا ورث مالا وفعل بتركته مثل ما فعلوه باقتصاد مصر، لخف ذووه أو أولو الشأن لوضع حَجْر عليه ورفع يده من التصرف بما ورثه. وهذا ما قلت. إنه سفه سياسي والشرع والشريعة لها ما تقوله بشأن السفيه. أيضاأعتقد أن جور الإمام نوع من السفه، فهو يؤدي عاجلا أم آجلا إلى التلف وسوء إدارة المال العام ومصالح الرعية. السفيه في الشرع هو من لا يحسن إدارة ماله. وقد ورد في الأثر الكثير من الوقائع في صدر الإسلام ودولته من ضرورات الحجر على من اتضح سفهه وغفلته.

وهذا ما فعله في الواقع الجيش المصري باسم شعب مصر، فتولى ولاية البلاد وسحب أيدي السفه والغفلة من التصرف بأموالها وأرصدتها وإرثها ومستقبلها. إنه موضوع أسهب فيه فقهاء الإسلام، بل فقهاء القانون في سائر الدول وعبر التاريخ من أيام حمورابي، والقوانين الرومانية إلى أيامنا المعاصرة، حيث كرست سائر القوانين المدنية العاملة حاليا في معظم البلاد العربية والإسلامية ما يقتضي من النصوص لحماية المال من سوء تصرف السفيه والمغفل والمختل وقاصر العقل. بالطبع إنني لا أريد أن ألصق هذه الصفات بأبنائنا من «الإخوان المسلمين». فهم أولا وآخرا إخوان لنا جميعا. ولكن نهجهم ومناهجهم القائمة على الإسلام السياسي تؤدي عند التطبيق وعلى نطاق الوطن وكما حدث في عهد محمد مرسي إلى ما يشبه السفه والغفلة. وهو ما يمكن أن نسميه بالسفه السياسي. فالنتيجة خراب البيت وضياع المال وهجرة العيال.