وداع طال انتظاره!

TT

شارون يحتضر، وفي إسرائيل يستعدون لإعلان وفاته وتكريمه كبطل قومي كبير كان في خدمة بلاده دائما.

وحقيقة الأمر أنه من رموز الشر بامتياز في هذا العالم. شارون مجرم استثنائي سجله مليء بالدم والإجرام وقتل الأبرياء، إنه أيقونة من أيقونات الإجرام السياسي في العصر الحديث، وبرحيله سيبدو العالم مكانا أنظف وأحسن.

شارون سيرحل لكن نهجه باق، فنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يعتبر شارون مثلا أعلى له، وأحد أهم رموز وقادة إسرائيل الوطنيين الذي يجب اتباع خطاهم واستلهام تعاليمهم وأفكارهم على الدوام، وهو بالتالي مثله على أقل تقدير، والشواهد كلها تؤكد ذلك بأقواله وأفعاله وسياساته.

شارون ينضم لقائمة مجرمي العالم، الذين أنتجت إسرائيل الكثيرين منهم: رؤساء عصابات بامتياز، قتلة ومجرمين من أمثال مناحيم بيغن وإسحق شامير وموشيه دايان وآرييل شارون وغيرهم بطبيعة الحال، لا يفرقون أبدا عن جوزيف ستالين وبول بوت وهولاكو وصدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد. الإجرام لا دين له ولا عرق، تماما كالإرهاب، والعين السوية والضمير الحي لا يفرقان بين مجرم وآخر لأنه من نفس الدين أو من نفس العرق أو من نفس القبيلة، وسائر هذا الهراء العنصري الذي يعمي البصر والبصيرة.

كم من «الشارونات» موجودون بيننا ومعنا وحولنا لكننا نعجز عن أن نراهم على «حقيقتهم» لأننا مصابون بعمى التطرف، والعنصرية التي هي من أمراض الجاهلية العفنة، فندافع عنهم بكل حماقة لنزيد في «شارونيتهم» وجبروتهم وعصبيتهم وفسادهم وطغيانهم؟!

إسرائيل التي يمجدها الغرب ويصفونها زورا وكذبا وبهتانا وافتراء بأنها هي الديمقراطية الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط تعتبر آرييل شارون بطلا قوميا عظيما، وأبا مثاليا، وزوجا رائعا وجدا حنونا لأولاده وزوجته وأحفاده، وتعتبره أحد صناع مجد إسرائيل الحالي وحامي حدودها وباني حضارتها، وهي بعنصريتها المخيفة تغاضت عن جرائمه الهائلة كمشاركته في مجزرة صبرا وشاتيلا، وقتله للأسرى المصريين في حرب 1967 بدم بارد، وكذبه على لجان تحقيق عامة رسمية، وغير ذلك مما هو معروف عنه وعن شروره.

لكن إسرائيل دولة قامت بالباطل، ولا تستقيم إلا بالباطل، وحتما ستجد في أمثال آرييل شارون ضالتها، لأنه يثبت بالشكل العملي أن الإجرام والوقاحة لدى عالم لا يجرؤ على نقد إسرائيل هما خير طريق لمواصلة السياسة التي قامت عليها بالأساس هذه الدولة.

شارون ليس بالاستثناء في إسرائيل، بل هو مكون أساسي لفكر الدولة فيها، فهي لن تقوم إلا بـ«نزع» الأملاك ونزع الحقوق ونزع الأرواح من خصومها، وفعلتها من قبل ولم ترتدع، وقررت مواصلة هذا الخط دون خوف.

قد يكون علق بالذاكرة الحديثة لدى العرب أن شارون هو الأفظع والأبشع والأكثر دموية، لكن ذلك الأمر غير صحيح أبدا، فشارون ما هو إلا مجرد حلقة في سلسلة لوجوه وعقول مليئة بالشر وكل ما هو سيئ في الروح الإنسانية والصفات البشرية.

ودع العالم منذ أيام نيلسون مانديلا وبكى عليه الملايين لأنه كان يجسد الشيء الجميل والراقي والمهذب والفطرة السوية التي من الممكن أن تكون عليها النفس البشرية، وعلى النقيض تماما يستعد العالم لوداع رجل شرير.