حرية «بناهي» وعودة «مخلباف»

TT

يوجد حاليا وفد سينمائي مصري في طهران رغم أن العلاقات السياسية بين البلدين تشهد قدرا لا ينكر من التوتر، ولا بأس من ذلك، الثقافة تسبق بخطوة، وهى قادرة على أن تلعب دورا في إذابة الجليد السياسي، رهان المثقف دائما على الحرية، وهي قيمة مطلقة تقفز فوق حواجز وقيود الجغرافيا، وهكذا أتصور دور أعضاء الوفد المصري في إيران أن يصبحوا صوتا لكل من صودرت أصواتهم من الفنانين الإيرانيين.

قبل أيام أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن حكومته لا تسعى لفرض رقابة على الفنانين وأعمالهم مثلما كانت تفرض في السابق، مؤكدا أن الحرية والإبداع وجهان لعملة واحدة ووعد بالكثير من الاستحقاقات في المقبل من الأيام، وهو كما ترى كلام جميل وكلام معقول، ولكن بالنسبة لي له دلالة واحدة، وهو أن يجري فورا وبلا انتظار، منح الحرية لكل من المخرجين جعفر بناهي ومحمد رسولوف اللذين صدر بحقهما أغرب حكم في الدنيا، وهو السجن ست سنوات والمنع من ممارسة المهنة لمدة 20 عاما، القضية في مرحلة الاستئناف، والمخرجان لا يستطيعان مغادرة البلاد، كما أن الكثير من مخرجي السينما الكبار مثل محسن مخلباف وعائلته التي انتقل إليهم جميعا «جينات» الفن السابع وأنعشوا شاشة السينما في العالم وحصدوا الجوائز العالمية مثل أصغر بناته سميرة مخلباف، أصبحت تلك العائلة وغيرها تقيم في فرنسا ولا يستطيعون العودة للبلاد.

جعفر بناهي لم يتوقف عن الإخراج حتى إنه قبل نحو عامين أخرج فيلما عرض في مهرجان «كان» وعلى سبيل السخرية أطلق عليه «هذا ليس فيلما»، وفي مهرجان برلين 2013 أطل على الجمهور بفيلم «ستارة مسدلة»، وحصل على جائزة السيناريو، وتحرص الكثير من المهرجانات على توجيه الدعوة إليه مشاركا في لجنة التحكيم أو ضيفا وتترك مقعده خاليا تلتقطه الكاميرا في الافتتاح والختام مكتوبا عليه اسمه دلالة على أن السينمائيين يتضامنون معه. كنت في رحلة إلى طهران قبل أكثر من عام مع وفد مصري مماثل، التقينا وزير الثقافة الإيراني الأسبق وطالبت بالحرية لبناهي ورسولوف وكان في العادة تجري ترجمة الأسئلة إلى الفارسية حتى يتابعها كل الحاضرين من الصحافة والفضائيات الإيرانية، ولكن هذا السؤال تحديدا لم يترجم، وتوتر بعدها اللقاء ولكن ما أعلنه الوزير وقتها أن القضية ليست سياسية رغم أن الجميع يعلم بأنها سياسية بالدرجة الأولى، حيث كان للمخرجين موقفهما الرافض للانتخابات التي أقيمت في 2009 وأتت بنجاد رئيسا.

الغريب هو أن عددا من الفنانين الموجودين في الوفد المصري اعتبروا أن هذا يعتبر بمثابة تدخل سافر وسؤال لا محل له من الإعراب، لأننا لسنا لجنة تقصي الحقائق.

الفنانون في إيران بالتأكيد بعد كلمة روحاني المشجعة ينتظرون الكثير في الأيام المقبلة مثل عودة الأوركسترا الذي جرى إغلاقه وهو ما وعد به روحاني بالفعل.

السينما الإيرانية حققت في السنوات الأخيرة قدرا من النجاح وصارت هي، فاكهة مهرجانات الدنيا وعدد من مخرجيها لهم حضورهم العالمي، ويحصدون الجوائز مثل عباس كيروستامي وأصغر فرهدي ومجيد المجيدى وغيرهم، ورغم تلك القيود فلقد وجد الفنان دائما وسيلة للتعبير، الحرية التي ينتظرها الفنان الإيراني سوف تفتح أبوابا أخرى كما أن الطيور الممنوعة والمهاجرة ستشارك في التغريد. وأتذكر أنني سألت إعلامية إيرانية عن أفلام جعفر بناهي الممنوعة من العرض، اكتشفت أنها توزع سرا على «سى دي» وتسللت لكل البيوت، نعم للفن أجنحة تستطيع أن تقتحم وتطير وتتحدى حتى المستحيل.